قراءة كتاب بائع الهوى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بائع الهوى

بائع الهوى

كتاب " بائع الهوى " ، تأليف حكيم بن رمضان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

-1-

الحي ملاذ الشعراء. إنه مأوى أولئك الذين لم يعد لهم إلا الحكايا، وقوتهم الصبر اليومي وبعض الابتسامات التي تدفن خلفها الألم. خلال سنوات عجاف صار الحي حديقة من دون بنفسج، ولا ينبت الزهر فيها ولا حتى شقائق النعمان، وهجرتها البلابل يوماً، وكفرت بها الفراشات ذات ربيع. الناس في الحي الشعبيّ يروون أحلام الآخرين ويحصون مغامراتهم، وليس لديهم سوى بقايا أحلام وأضغاث أوهام وشيء من أمل قد سئم. منذ أيام أصبح الحي مقبرة يحترق فيها الياسمين؛ وفي واحد من تلك الأحياء المجهولة من تلك المدن المنسيّة أضرم شاب النار في نفسه ليحترق فاحترق، لتصبح جثته شمعة في مدينة تشتعل أو ربما تحتضر. قد يسمو جسمه نحو الجنة أو ربما يلقى في النار، ولكن الأكيد أنه وصل إلى السماء محترقاً. قيل صفعته امرأة، وقيل كانت من الشرطة، ولكن لا أحد يعلم إن كان حزّ في نفسه أن تصفعه امرأة أو أن عجز عن ضرب البوليس، ذلك الأمر سر احترق معه. بعد أسابيع سوف يموت، وبموته يدفن الظلام الذي اغتاله من دون أن يشهد بزوغ الفجر؛ فالشمعة لا تحترق مرتين، حسبها أنها أنارت ما حولها. لعلّ الحي صار للغرباء وطناً، فهو منفى الشعراء.

في مدينة أخرى بعيدة وبديعة يزورها السياح ليقتطفوا منها الصور والذكرى، وعند مدخل أحد أحيائها الشعبية في ساعة متأخرة من الليل تقف سيارة أضواؤها محطّمة وأبوابها مهشّمة، فيتفرق شبان الحي الذين اجتمعوا لاستذكار أخبار الناس تاركين القوارير الفارغة على قارعة الطريق. ينزل من السيارة أربعة رجال يتجهون عبر الأزقة الضيقة نحو شقة السيد حيدر قنديل ومن دون قرع الباب يأمرهم رئيس مكافحة الإجرام باقتحام المنزل. الشقة عبارة عن قاعة استقبال ذات مطبخ صغير وغرفة نوم ضيقة وبيت استحمام بالدش.

ينطلق أعوان الشرطة في التفتيش بحثاً عن أمور قد تهمّ القضية وقد لا تهمّها. كانت الفوضى تعمّ المكان وقوارير الجعة الفارغة تملأ غرفة الاستقبال والجوارب والقمصان والملابس الداخلية مهملة بين عدة أركان من المنزل والكتب مبعثرة فوق الكنبة أو حذوها وتحتها. لم يجد الأعوان شيئاً محدداً يسهّل مأموريتهم أو دليل اتهام غير أن أحدهم عثر في أحد الأدراج على شيء من الحشيش، فأمره رئيسه بحمله وجمع الكتب الموجودة بالشقة.

لم يكن السيد حيدر قنديل متورّطاً في أحد الانتماءات السياسية المريبة للنظام أو متّهماً في قضية مخدرات غير أنّ الأعوان لا يناقشون الأوامر كعادتهم ولا يسألون أو يتساءلون، ويجمعون الكتب التي تناثرت بين أرجاء البيت من دواوين شعرية وروايات ومجلات كثيرة عن لعبة الشطرنج. يعثر أحد المفتشين بين الكتب على أحد الأفلام الإباحية باللغة الإيطالية فيحمله ويخفيه خلسة في جيب معطفه.

فصل الربيع يصعب التكهن بأحواله، وليس أمام الناس سوى أن يأملوا أمطار شهر مارس؛ فعلى الرغم من دفء النهار فإنّ الليل غالباً ما تعمره رطوبة في مدينة تحاذي البحر، لذلك قد يلبس الناس معطفاً في إحدى ليالي الربيع. في جنوب البحر المتوسط وعلى أنقاض "نيابوليس" الرومانية أقيمت مدينة شرقية اسمها نابل غمرها البحر يوماً كما أغرق "نيابوليس" من قبل فأقام سكانها مدينة أخرى بعيدة تتحاشى حركة البحر ومزاجه. في ذلك الموسم حلّ فصل الربيع مبكّراً قبل أن تتفتح شقائق النعمان، وجاء الفراش إلى الجنان قبل موعده.

قبل أن يغادر المكان اتّجه رئيس الفرقة السيد "الدالي جمر" نحو غرفة النوم يتفحّص الوسادة ويقلّب اللحاف ويلمس المنشفة المعلقة على باب الاستحمام، فتأكد من مرور المتهم بالمكان منذ زمن غير بعيد. وعند عودته إلى مكتبه على الساعة السادسة صباحاً جلس يداعب بأطراف أصابعه سيجارة الحشيش التي تم الحفاظ عليها ويشمّ رحيقها كأنه يود تدخينها، ويتصفح الكتب المحجوزة ويقرأ أسماء الدواوين الشعرية وعناوين بعض القصائد، ويتأمل صفحات المجلات المختصة في لعبة الشطرنج فلا يفقه معناها: ث 4، ح 5، ج5، ج6......

لقد أمضى طوال الليل يطارد شبح رجل ليس له ماض في دفاتر مكتبه؛ فالبطاقة الشخصية للسيد حيدر قنديل "نظيفة" حسب عبارة البوليس وخالية من السوابق العدلية. رفع "الدالي جمر" السماعة وطلب من مركز الاستعلامات تزويده بمعلومات إضافية عنه. لقد كان السيد حيدر قنديل دليلاً سياحياً لدى إحدى وكالات الأسفار الايطالية، ومتّهماً في جريمة القتل العمد ضد أحد السياح الروس.

على الطّرف الآخر من الهاتف يزوّده أحد المخبرين من مركز الاستعلامات في وزارة الداخلية ببيانات واردة في البطاقة السرية عن الشخص المطلوب.

الصفحات