كتاب " بائع الهوى " ، تأليف حكيم بن رمضان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب بائع الهوى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بائع الهوى
-4-
كان حيدر يحدّث شادي عن مباراة في الشطرنج لعبها بالأمس وهما يحتسيان النبيذ المبرّد، وقد حمل معه الرقعة والقطع ليفسّر له أحداثها بالتدقيق. طلبت منه وكالة الأسفار التي يعمل فيها مرافقة "شخص مهم جداً" حسب العبارة المستعملة في القطاع السياحي طيلة مدة إقامته في البلاد. كان هذا السائح ضيفاً من روسيا يدعى السيد "أليسندرو زيبروف" وهو بطل العالم الجديد في الشطرنج والذي تمت دعوته من قبل الجمعية الوطنية إلى ندوة أقيمت على شرفه بعد حصوله على اللقب، وذلك في نطاق التعريف باللعبة ولأغراض سياحية أيضاً، وقد نظمت الجمعية مقابلة استعراضية تبارى فيها السيد "زيبروف" ضد عشرين لاعباً في الوقت نفسه قد اصطفّوا أمامه في شكل نصف دائري، وكان ينتقل من طاولة إلى أخرى بخطى ثابتة، وبالطبع لم يجد من عناء في الغلبة عليهم جميعاً ولا حتى من متعة في التباري معهم على الرغم من انتمائهم إلى الفريق الوطني ودرجات بعضهم المرموقة في السلم العالمي. اقتصر حضور حيدر على الترجمة وذلك لإتقانه اللغة الانجليزية ولمعرفته لقوانين اللعبة، غير أنه ما استطاع كبح نفسه عن متابعة مهارة هذا البطل؛ وبعد نهاية العرض اختلى حيدر بالسيد "زيبروف" ليسرد عليه تعليقاً تحرّج أول الأمر في البوح به.
- سيد "زيبروف" ألا تزال تذكر اللاعب رقم سبعة عشر؟
- أتذكر المباراة.
- لو أنه حرّك الحصان ب-6: أ-4 ما كان لينسحب بعد ذلك بلعبتين، على ما أعتقد. أليس كذلك؟
- لقد لعب الفيل "كش". ما أغنى عنه ذلك من شيء. وماذا لو لعب الحصان أ-4؟ هل كان سيبدل من الأمر شيئاً؟ الملكة كانت حينها تحمي أ-2.
- لكن الفيل الذي غيّر موقعه كان يهدد ب-2 من قبل. أليس كذلك؟
- الفيل... (يخلع نظارتيه المستديرتين ويتمهل قليلاً قبل أن يبوح بكلمة)... آه... فهمت. ربما كان ذلك أفضل له بعض الشيء. (بشيء من التعالي).
- في كل الأحوال لم يكن له من حظ كبير في الفوز، فلقد حوصر ملكه حتى اختنق.
- هل تلعب الشطرنج؟ يا سيد ...
- قنديل. حيدر قنديل.
- هل تريد أن نلتقي هذا المساء بعد العشاء للعب يا سيد قنديل؟
- آه. نعم. (مزهواً) يسرني ذلك كثيراً.
كان الأمر كذلك، ففي مساء ذلك اليوم وبعد انقضاء الندوة، حيث قام السيد "زيبروف" بتحليل مباراة جمعته في النهائي ضد منافسه الهندي، التقى بدليله السياحي في بهو النزل حيث انسحبا نحو ركن من قاعة الاستقبال، وعلى الرغم من تكتمهما على الأمر فإن تواجد السيد "زيبروف" جلب فضول المشاركين في الندوة واللاعبين المقيمين في النزل وحتى بعض السياح. غاب التشويق في هذه المباراة، ولكن لم تمضِ إلا دقائق معدودة حتى وجدا نفسيهما محاصرين بجمهور غفير. كان من بين الحضور السيد "ميهيلوف فيدوفسكي"، ذلك السائح الروسي الذي قدم من إيطاليا وعاش أيامه الأخيرة قبل أن يتوفى ضمن ظروف غامضة.