أنت هنا

قراءة كتاب قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير

قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير

كتاب " قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير " ، تأليف علي عبد الأمير عجام ، والذي صدر عن دار المؤسسة للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

على أن ذلك (الدلال) إن صحت التسمية·· لم يمنع الأهل من فرض الواجبات مبكرا على ابنهم المحبوب·· وكان أول الواجبات تعلم القرآن الكريم·· وهكذا كان ! على أن والدتي، وقد ورثت عن أبيها قدرتها على تعليم وتحفيظ القرآن الكريم، وكان بيتنا في محلة النزيزة (أم الصخول) يمتلئ بالأولاد والبنات الذين أودعهم ذووهم لدى أمي لتلك الغاية·· أقول إن والدتي وهي تنغمر بذلك المشروع الذي تحبه، لم تشأ أن تضمني إلى تلاميذها خوفا من أن أعتمد على موقعها فأهمل الواجب·· فارتأت أن تلحقني بالصف (الكتاب) الذي تديره خالتي شقيقتها الكبرى هي الأخرى، بل واشترطت عليها أن تحاسبني كما تحاسب المتعلمين الآخرين تماما·· ولقد فعلت خالتي رحمها الله ذلك تماما، حتى إني كنت أرى فيها صرامة وتجهما أجدهما أكثر مما يجب وانا ابن شقيقتها· غير أنها أثابها الله علمتني فعلا ومكنتني أن أنجح في اختبارات المراجعة التي تجريها لي أمي بعد عودتي إلى البيت للتأكد من مدى استفادتي مما أتعلمه لدى خالتي· وهكذا حتى أكملت، بإتقان، قراءة القرآن الكريم بنجاح وفزت بحفلة ختمة مازلت أتذكرها تفصيلا ! ونالت خالتي هدية ثمينة من والدي وأخرى من والدتي·

ثم تولتني والدتي مجددا لإعادة ختم القرآن تحت إشرافها هي هذه المرة·· وقد أنجزت ذلك فعلا، وكنت في الخامسة أو السادسة من العمر·

هنا لابد من معلومة أو معلومات·· فإن خالتي إذ تدبر صفا لتعليم القرآن كما تفعل والدتي فإنها لم تكن ترث ذلك عن أبيها فقط، وكان يدير كتابا في الجامع تتلمذ عليه كثير إن لم أقل أكثر من وجوه المسيب منهم كاظم السلمان، وأحمد العباس المحمد المعموري، وعبد المحسن الجاسم، وعدد من آل مظلوم، ومكاوي عبد الأمير مكاوي، وتوفيق وسلمان مكاوي، وآل علي السلمان الأنباري، وعبد الرزاق حمزة الخليل وكثيرون غيرهم· وإذا أذكر هؤلاء دون غيرهم فلأنهم حدثوني بطريقة أو بأخرى عن أثر جدي فيهم وحسن تعليمه لهم، وكان رحمه الله يعرف بلقبه (الشيخ الشريف) أكثر مما يعرف باسمه، بل إنني حتى وأنا في المدرسة الابتدائية أحسب أن ذاك هو اسمه الحقيقي، حتى رأيت (دفتر نفوس) والدتي فإذا اسمه (محمد حسن) وهو ابن الشيخ عبد المهدي عجام الذي كان قارئا منبريا وحدادا في الحلة، ولما سألت عن لقب (الشيخ شريف) علمت من والدتي أن الناس التزموا به اعتزازا به وبشرفه ومكانته لديهم واعترافا بفضله ونقاء سيرته· غير أنني عرفت أن أصل اسم (شريف) و(محمد حسن) نفسه يعود لحكاية أخرى ليس هذا مجالها وقد حدثني بها أحد أولاد عم أمي قبل شهور فقط ! أقول لم ترث خالتي عن جدي قدرتها تلك فقط وإنما كانت تتواصل بكتابها المنزلي مع زوجها المرحوم الشيخ محمد علي الشيخ كاظم عجام، وهو والد حسن الخياط وحسين الخياط اللذين ما يزال دكان كل منهما مفتوحا للخياطة في المسيب، وهو أيضاً عم والدي فقد كان الشيخ محمد علي يدير كتابا في جامع السعداوي (الفرات فيما بعد) وحتى عجزه قبل وفاته رحمه الله بسنوات·

على أني لم أدرك أياماً من جدي (الشيخ شريف) الذي توفي قبل زواج أمي، (ومما تحدثت به أمي عنه أقدر أنه توفي بحدود 1920-1923، إذ تحدثت عن موقف له مع أحد جنود الاحتلال الإنكليز) ولا الشيخ محمد علي في كتابه·· وإنما أدركت الأخير رحمه الله شيخا متعبا يرتدي زي الشيوخ المعممين·· الجبة والسترة والعمامة البيضاء· وقد توفي في أوائل الخمسينات فاستمرت خالتي زوجته وابنة عمه تواصل شوطه حيث قرأت عليها وختمت القرآن الكريم·

وبينما لم يترك عمي الشيخ محمد علي سوى سمعته التعليمية وتلاميذه، ترك جدي الشيخ شريف عدداً من المخطوطات بخطه الجميل الذي يكتبه على ورق سميك المسمى (الورق المعشر) بالحبر الصيني بخط الثلث والنسخ· وتضم هذه المخطوطات قصصاً عن الأنبياء (ع) ووفيات الأئمة المعصومين (ع) وعدداً من الحكايات التاريخية، وتضم أخرى أدعية متنوعة تتخللها هي الأخرى قصص دينية أو بعض الإرشادات الدينية، ومخطوطات تضم شعراً في مدح آل البيت (ع) أو رثائهم (ع)، ولا أعتقد أنها من شعره بل هي مختارات مما كان يحفظ، ويبدو أنه رحمه الله كان شخصية متفتحة تجمع التدين ووقاره وانبساطه؛ ولذا كان يحرص على أناقته كما تقول والدتي، وكان يردد شعراً منغماً حفظت أمي عنه أبياتاً من شعر (وضاح اليمن)·· (قالت ألا لا تلجن دارنا··) دون علمه، بل حفظتها منه على السماع، ومع أنه ساعدها على أن تحفظ الكثير من القصص الديني والأدعية والمراثي الحسينية إلا أنه لم يعلمها الكتابة ! أجل، ورأيه، حسب قولها رحمها الله : أن ليس للمرأة أن تتعلم الكتابة خوفاً من استغلالها في كتابة خطط السحر !! وهكذا بقيت أمي قارئة جيدة وحافظة ممتازة ولكن أمية في الكتابة ! وقد حاولت أنا تعليمها الكتابة فسخرت من محاولتي بالمثل المعروف ((عكب ما شاب ودوا للكتاب))· وإذا كان جدي لأمي وابنتاه فاطمة (خالتي) وخديجة (أمي) وعم والدي (الشيخ محمد علي) قد تولوا تعليم أهالي المسيب أو كثيراً جداً منهم القرآن والكتابة، فإن المقام يتطلب مني وقفتين أخريين : الأولى : عند جدي الأكبر (الشيخ كاظم الشيخ عبد المهدي عجام) فإنه جاء إلى المسيب من الحلة، موطن عائلتنا الأساس، كممثل للمرجعية الدينية، ويقال إن لحلوله في المدينة أثراً ملموساً في إشاعة الالتزام الديني وترسيخه وسط ظرف أوجد حاجة لمثل ذلك العمل· وإذا علمنا أن ابنه حسون عجام وهو جدي لوالدي ثم والدي من مواليد المسيب، وكان جدي الحاج حسون الشيخ كاظم قد توفي أواسط الخمسينات عن عمر جاوز السبعين، فهذا يعني أن حلول الشيخ كاظم عجام (جد والدي) وجدي الثاني قد تم في الربع الأخير من القرن التاسع عشر· ولذلك ونسبة لدور الشيخ كاظم، ما زلت أجد من يسمينا بآل الشيخ كاظم·· والشيخ كاظم رحمه الله هو شقيق جدي لأمي الشيخ شريف·

الثانية : عند شخصية أخرى من شخصيات أسرتي (وأنا هنا أجيب عن أحد أسئلتكم دون مراعاة تسلسلها في طلبكم) التي ساهمت في توعية وتعليم الناس في مدينتنا العزيزة، وهو الشيخ مهدي الشيخ محمد جواد الشيخ كاظم عجام· والشيخ مهدي هذا هو ابن عم والدي، كما ترون، وخال أولاد عمي الحاج نعمة الخياط، خال رسول، سلمان، كريم، ومكي وأشقائهم، وقد وعيت عليه شيخاً معمماً يسكن داراً على شاطئ الفرات قريباً من خزان المياه القديم في محلة النزيزة، وله طريقة متميزة في إحياء الشعائر الحسينية في شهري محرم وصفر ورمضان أيضاً· ولولا بحة أو حشرجة في صدره لكان له شأن في هذا المجال، ربما فاق شأن ابن عمه، وهذا هو الآخر ابن عم أمي وابن عم أبي الشيخ هادي الشيخ صالح عجام، الذي غادر المسيب وسكن كربلاء وفيها مارس الوعظ الديني وإحياء المجالس الحسينية حتى اشتهر شهرة واسعة، ترك منها بعد وفاته تسجيلات ما تزال متداولة إلى الآن، وأولاده في كربلاء هم الآخرون، وما يزال بعضهم شيوخاً على طريقته· كان الشيخ مهدي متفتحاً هو الآخر حتى إنني أدركته رحمه الله يجادل مدافعاً عن شرعية ثورة 14 تموز 1958 كوسيلة لرد مظالم الناس وتعويض الفقراء والمحرومين قبلها، وقد كان أحد ولديه (هادي وحسون) عبقرية مبكرة، إذ كان طالباً مدهشاً في ذكائه وحافظته وقدرته على الرسم وتكوين الأشكال بالطين ! غير أن (حسون) هذا لمحدودية أو ضيق حياته وانغماره في أفكاره التي سبقت عمره قد تدهور إلى انفصام في الشخصية ثم إلى الوفاة وهو في الصف الخامس العلمي، وكان ذلك أواخر الخمسينات أو أوائل الستينات على الأكثر، وقد توفي الشيخ مهدي نفسه أواسط الستينات على ما أتذكر عن عمر جاوز السبعين·

الصفحات