أنت هنا

قراءة كتاب قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير

قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير

كتاب " قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير " ، تأليف علي عبد الأمير عجام ، والذي صدر عن دار المؤسسة للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

المدرسة والتقاليد والمبنى

أولئك كانوا معلمي مدرسة المسيب الابتدائية الأولى، مجموعة للتربية، مجموعة للثقافة، وكان من الطبيعي وهم بتلك الحيوية والجدية أن يمنحوها اسماً رفيعاً كان لها فعلاً، حتى إن كثيراً من العوائل لا ترغب بإرسال أبنائها إلا لهذه المدرسة·

وكان الكثير من الآباء (يتوسط) لقبول أبنائهم فيها حتى وإن كانت مساكنهم أقرب إلى مدارس ابتدائية أخرى غيرها، ولا غرابة في ذلك·· فقد استطاعت هذه المدرسة التي ثبت على لوحة اسمها أنها تأسست عام 1921، أن ترسي تقاليد تربوية وتعليمية، بل ودشنت ومارست أولى الممارسات الثقافية العامة التي اجتذبت أهالي المدنية لاسيما وأن مبناها كان يسمح لها بتلك الممارسات والتقاليد· كانت قاعتها الداخلية التي تفتح عليها أبواب الصفوف فسيحة جيدة الإضاءة، حتى طبيعياً، يتصدرها، بالنسبة لداخلها من الباب النظامي، مسرح كبير مشيد وفق الأسس الفنية، وقد رسم ديكوراته الفنان الرائد الراحل سلمان الحمداني وهو مسيبي قديم (توفي في الحلة أوائل 1997) وألحقت بالمسرح غرفة للمستلزمات (الديكور، المكياج، استراحة الممثلين··· الخ) ولا تنقص ذلك المسرح حتى حفرة الملقن، وعلى هذا المسرح أقيمت العديد من النشاطات الخطابية والتمثيلية، لعل أهمها عرض مسرحية الزوجة الثانية تأليف الأستاذ المرحوم حسن هادي الأنباري التي مثلت لعدة أيام والناس تزدحم لمشاهدتها وقوفاً، وكان لها صداها اجتماعياً، ومسرحية البخيل لموليير· وقد ساهم في تمثيلها عدد كبير من طلبة الثانوية والابتدائية وعدد من المعلمين، أذكر من الممثلين مهدي الأنباري، فاضل عبد العباس، محمد كاظم الحداد، أحمد جميل عبد القادر، وغيرهم، ويمكن للأستاذ مهدي الأنباري أن يوثق هذه المسألة أفضل مني· وكان لي شرف ارتقاء هذا المسرح أكثر من مرة، في مسابقات الخطابة وتجويد القرآن، ولمرة واحدة ارتقيته ممثلاً لأؤدي دوراً صغيراً في تمثيلية قصيرة كتبها وأخرجها الأستاذ أحمد جميل، وكانت للحث على محو الأمية والدعوة لتعلم القراءة والكتابة·

كانت جدران القاعة تزدان بلوحات فنية كبيرة رسمها بعض أساتذة وطلبة المدرسة، وبنحت بارز على الخشب يمثل شعار المملكة العراقية إضافة إلى صور الملوك، وخرائط كبيرة كانت إحداها بالجبس البارز للجزيرة العربية، إضافة إلى لوحات بالخط العربي تمثل مأثور الكلام والحكمة والآيات القرآنية، ولا يجوز للتلاميذ البقاء داخل القاعة في فترات الاستراحة والمراقب العام مسؤول عن تنفيذ ذلك· ولذلك فإن أيام الشتاء الممطرة كانت فرصتنا الوحيدة للتمتع بجو القاعة ورموزها، وإن كان الازدحام يفسد ذلك، وحين نستثمر القاعة لاحتفال أو عرض مسرحي، تصف الكراسي أو الرحلات فيها بمواجهة المسرح، وفي قاعتنا تجري امتحانات نهاية السنة التحريرية في جو مهيب·

وفي مدرستنا العتيدة تلك أكثر من حديقة واحدة، ناهيك عن أن الساحة على كبرها كانت عبارة عن حديقة من نوع خاص، إذ تحيط بالساحة ساقية جارية معظم أيام السنة وعليها نمت أزهار الدفلى عديدة الألوان وأشجار اليوكالبتوس والنخيل والرمان· وثمة حديقتان صغيرتان تليان غرفة المدير، وهي أكبر من تلك المحاذية لغرفة المعلمين، وبكلمة أدق فإن الغرفتين والصفوف لا تحاذي الحدائق أو الساحة وإنما تطل عليها لأن البناء كله مرفوع عن مستوى الساحة بخمس درجات أو ست· أما الحديقة فقد كانت مزهرة مثمرة، نخيلها وأعنابها وحمضياتها ورمانها، وكانت لها بوابة مشبكة وسياج يفصلها عن الساحة، لكنها تفتح حسب طلب الأساتذة وندخل معهم بشرح بعض المعلومات المتعلقة بالنبات· وأحياناً لتلقي الدرس نفسه في جو الحديقة كما كان يفعل أستاذنا المرحوم عبد العزيز عبد اللطيف في درس الدين·

وسواء كان الأمر بالنسبة للحدائق والساحات أو بالنسبة للقاعة، فإن نظافتها من المحرمات التي لا يجوز التجاوز عليها أو التهاون فيها، وكان ذلك مما يتابعه المدير شخصياً· أفلا تلقي تلك الأجواء بأولى بذرات التحضر والالتزام في نفوس الطلبة ؟! أجل فكيف ولدينا ملامح حضارية أخرى ؟! نعم فلدينا المرسم بكل تجهيزاته وما يحفل به من فرص لتنمية مهارات الرسم لدى هواته، بإشراف المعلمين المهتمين بالرسم كأحمد جميل وزكي جاسم، ولعلكم تعجبون أن أبرز لوحة كانت في المرسم هي لوحة كاريكاتورية ! أجل، ولم أفهمها إلا بعد سنوات من تعرفي على الكاريكاتير، كانت تمثل سيدة مفرطة البدانة لكن أناقتها واضحة، مفرطة الضخامة وقد وقفت بكامل أناقتها وشحمها ولحمها وإلى جانبها خشبة القصاب التقليدية، وتحتها نقش عنوانها (رشاقة) !!

وظلت هذه الصورة في ذهني حتى اتضحت معانيها بعد أن عرفت الكاريكاتير· وكان مرسمنا هذا قاعدة نجاحات مدرستنا في معارض مدارس اللواء السنوية ونيلها درجات متقدمة كل عام· وبالمثل كانت غرفة الرياضة تمثل ما يمثله المرسم من أساس لنجاحات المدرسة في المسابقات الرياضية داخل القضاء وخارجه، ولهذا السبب كانت غرفة المدير وغرفة المعلمين تزدحم بالعديد من الكؤوس والدروع وأوسمة الفوز، ناهيك عما في المرسم وغرفة الرياضة من تلك الكؤوس ورموز التفوق·

وكانت طاولة كرة المنضدة والحانوت التعاوني مركزين آخرين من مراكز تجميع التلاميذ في الاستراحات (الفرص) مثلما يجدون في ظلال حدائقها أو على سواقيها المترعة بالمياه متعة الحديث أو مراجعة الدرس· ولضمان أن تكون كل تلك المتلقيات منتظمة كان هناك معلم مراقب كل يوم وإلى جانبه التلميذ المراقب العام، وغالباً ما يكون الأكبر سناً ومن الصف السادس على الأغلب، وكانت نوبة مراقبة الأساتذة منصور حسين، أحمد جميل، وعبد العزيز عبد اللطيف متميزة بما يميز كل منهم من ملامح وسمات شخصية· إضافة لنشاط المدرسة الرياضي والفني، كانت لها نشاطاتها الاجتماعية، فكانت فرقة الكشافة فيها تساهم في حملات التوعية الصحية وجمع التبرعات لجمعية الطيران العراقية، من خلال توزيع شاراتها في أيام الأعياد خاصة·

تكاد مدرسة المسيب الابتدائية الأولى في تلك الفترة تكون هي الوحيدة في مركز المسيب أو على الأدق في الجانب الكبير من جانبيها على يسار ويمين النهر· ففي الجوار منها كانت مدرسة المسيب الأولية الأولى (وليس الابتدائية) إذ تتكون من أربعة صفوف فقط تنتهي في الصف الرابع، وكانت تعرف باسم مديرها أكثر مما تعرف باسمها، إذ كانت تسمى (مدرسة عبد الدايم) ويقصد به الأستاذ المرحوم عبد الدائم علوش (أبو عمار ومصعب) وبعد سنتين أو ثلاث من التحاقي في المدرسة (أو ربما أكثر) افتتحت مدرسة التهذيب في محلة النزيزة ابتدائية هي الأخرى، كما طورت المدرسة الأولية إلى ابتدائية وعرفت باسم مدرسة المثنى الابتدائية·

أما في الجانب الصغير من المدينة (صوب ألبو حمدان) فكانت هناك ابتدائية وحيدة هي المدرسة الحمدانية الابتدائية·· ومدرسة في حامية المسيب (أظنها كانت أولية) أما في ريف المسيب فكانت هناك مدرسة أبو الجاسم الابتدائية ومدرسة أولاد مسلم الابتدائية، وهما مدرستان استقطبتا أبناء الريف القريب لكنهما لم تستوعبا كل الراغبين في الدراسة، وكانت مدرستنا مع وجودهما تستقطب كثيرين منهم رغم بعدها عن مساكنهم لما لاسمها من هيبة·

ومثلما كان اسم الأستاذ عبد الدائم علامة لمدرسته، كانت للمدارس الأخرى أسماؤها المعروفة·· فالأستاذ محمد سعيد كامل في الحمدانية بما له من مكانة اجتماعية وثقافية، والأستاذ حسين الخزرجي في الأولية ثم وفي الحمدانية، والأستاذ جواد النجار في المثنى، والأستاذ عبد الوهاب الصباغ في التهذيب·· ومحسن الجايد في مدرسة أبو الجاسم·· وغيرهم، وكانت لهم مشاركاتهم في النشاط الثقافي الذي تقيمه مدرستنا أو مدارسهم على مسرح مدرستنا، لا سيما الأستاذ محمد سعيد كامل الذي يلقي قصيدة في أغلب المناسبات، شأنه شأن الأستاذ حسين الخزرجي، غير أن الخزرجي يضيف لإسهامه الشعري افتتاح بعض الاحتفالات بتجويده القرآن الكريم، وكان رحمه الله يلقي قصيدة في احتفال المدينة بمولد الإمام علي (ع) أو الإمام الحسين (ع) في حسينية المسيب إضافة إلى قراءة القرآن·

وهكذا لا عجب أن تسري الجدية والإحساس بالمسؤولية حتى إلى فراشي المدرسة وعمال حدائقها، فكانوا يعتبرون أنفسهم من أولياء أمور تلاميذها إن لم نقل يعتبرون أنفسهم مالكين للمدرسة ! حتى إن (حمادة شهاب) كبير فراشي مدرستنا كان يخيف الكثير من التلاميذ لحزمه وشدته في منع أي تجاوز على حديقة أو نافذة أو شجرة· واعترافاً بمكانته كان التلاميذ العائدون من المباريات الرياضية التي تفوز بها فرق مدرستنا يهزجون على السيارات أو في الشارع المؤدي إلى المدرسة :

بشروا حمادة الفراش ترة الكاس ألنة بالتناوب مع بشروا أبو ليلى (الأستاذ منصور) ترة الكاس ألنة !!

وبعد·· أفليس محزناً أن تنقل هذه المدرسة إلى بناية غير بنايتها الأصلية التاريخية ؟ أفما كان يليق بتاريخها تطوير مبناها بصيانته لا تغييره لتحل فيه مدرسة للبنات حالياً (كما فجعت بذلك الخبر) بينما تحمل اسمها التاريخي بناية جديدة مقابلها ؟؟ محزن حقاً·· كم أحس برغبة للتحدث عن بعض أكبر التلاميذ في مدرستنا وبعض ما تميزوا به ! وكم أرغب بالحديث عن توزيع الحليب وحبات زيت السمك، وحرص أساتذتنا على تناولها قبلنا !· وكم· وكم· وكم·

ولكن هل يتسع المجال لكل ما أرغب ؟! وعلى أية حال فقد أنهيت دراستي الابتدائية متفوقاً عام 1957· فمن المناسب إذن أن أنتقل إلى ذكريات المدرسة المتوسطة··

الصفحات