كتاب " قضايا في الرواية الأردنية " ، تأليف الدكتور نضال الشمالي ، والذي صدر عن دار المؤسسة للدراسات والنشر .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب قضايا في الرواية الأردنية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
قضايا في الرواية الأردنية
تمهــيد
ارتبطت الرواية الأردنية منذ نشأتها بالسياسة حتى قبل أن يتبلور كيانها الفني· فأول رواية كتبها عقيل أبو الشعر عام 1912 الفتاة الأرمنية في قصر يلدز انشغلت بالهم السياسي والحديث عن الحكم العثماني ومظالمه فغامر بنفسه نتيجة لموقفه السياسي·
إلا أن الرواية الأردنية انتقلت بتطلعاتها ورؤاها في مرحلة التأسيس فعايشت بقسوة مناخ الهجرة الفلسطينية إثر النكبة عام 1948، إذ شهدت الساحة تغيّرات مفصلية على الصُعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية· ولعل التغيرات التي شهدتها الناحية السياسية كانت الأساس، إذ تطورت الحياة الحزبية وتعددترؤاهابشكل أكثر اتساعا وثراءً، وأصبحت هناك امتدادات واضحة لأحزاب عربية قومية عريقة(2)·
ومن أبرز الروايات الأردنية التي أظهرت تأثراً بالواقع السياسي رواية عيسى الناعوري بيت وراء الحدود 1959، ورواية محمود فريحات أجنحة الأمل 1960، وكلتاهما تناقشان الهمّ الفلسطيني ووقع فاجعة 1948 علينا·
أما مرحلة النضج في تاريخ الرواية الأردنية فكانت بعد نكسة عام 1967، إذ أظهرت الرواية نضجا في المضمون أولا ثم الشكل ثانيا، ودخلت عالم الرواية العربية بنجاح(3)· ومن أبرز الروايات(4)التي أظهرت تفوقا في التعامل مع المتغيرات السياسية رواية تيسير السبول أنت منذ اليوم 1968، ورواية أمين شنّار الكابوس، ورواية سالم النحاس أوراق عاقر 1968، ورواية غالب هلسا الضحك 1970·
لقد اهتمت الرواية الأردنية(5)في هذه المرحلة بإبراز الهم القومي والوطني بالدرجة الأولى، فكانت النسبة الكبيرة من مضامين روايات هذه المرحلة تصبّ في هذا الاتجاه، وهذا يعكس مدى الاستجابة الأدبية للشهادة في اللحظة التاريخية، واهتمامهم بالمضامين على حساب الشكل، لا سيما وأن معظم الروائيين الجيدين في هذه الفترة كانوا سياسيين سابقين بخلفيات إيديولوجية مكتملة·
والرواية بوصفها محفّزا من محفزات التاريخ، فإن التاريخ ينبعث منها مجدداً بتواصل أمتن وحرية أوسع لتوثيق علاقته بالواقع أكان سياسيا أم ثقافيا أم اجتماعيا ام اقتصاديا، فالرواية التاريخية هي في صورة من صورها تلبية للحاضر تنطلق منه نحو الماضي ثم ترتد إليه عبقة بالدلالات والتصورات والإسقاطات ضمن إيحاءات سياسية يصعب البوح بها مباشرة، وهذا التمازج هو ما يُطلق عليه بالسردية بالتاريخية، فكيف يحدث هذا التوالف بين الرواية والتاريخ ؟ ما القوانين التي تحكم علاقات الاتصال والانفصال بينهما؟ ما الطرق المثلى لاستحضار التاريخ وصبّه في قوالب روائية مفتعلة ذات رؤية سياسية؟ ومتى يخسر الروائي رهانه على التاريخ؟ ثم كيف للروائي أن يتعامل مع شخصيات تاريخية حقيقية مكتملة البناء حاضرة في الذهن؟ ألا يحدّ ذلك من صلاحياته الإبداعية؟ وهل الشخصية التاريخية الحقيقية تعدّ ضيفاً غير مرحّبٍ به دائماً، لأنها تأتي بثياب جاهزة؟ أم أن مهمة الروائي هي الكشف عن تفاصيل هذه الثياب وليس إلباسه ثياباً أخرى· ثم ما الدواعي الحقيقية للجوء الرواية للتاريخ؟ لماذا يستعير الروائي فصولاً من التاريخ دون فصولٍ أخرى؟ أم أن التاريخ في نظر الروائيين يمثل نواةً عملٍ طيّعة القياد يسهل العثور عليها· إن الإجابة عن كل ما سبق من تساؤلات ليرسم صورة واضحة للسردية التاريخية في شكلها الحديث هذا التيار الذي بدأت تكتمل ملامحه في ذهن هذه الدراسة على الأقل·
ثم كيف ينأسر اللامتناهي في المتناهي؟ وضمن أي فتوى تصالحية يقبل أن يندرج الحقيقي ضمن المبتدع؟ ولكن ماذا إذا كان مقصد المبتدع أن يتم نقص الحقيقي؟ وهل للمبتدع قدرة على أن يمنح الحقيقي المزيد من الحقيقة؟ وهل العلاقة بين اللامتناهي (التاريخ، الحقيقة) وبين المتناهي (الرواية، الزائف) علاقة تقاطع أم علاقة تصالح؟ هي رؤى متداخلة أحدثها تمازج عجيب بين رافدين من روافد السرد في حياتنا؛ التاريخ (الذاكرة الحقيقية للإنسان) والرواية (الذاكرة المفترضة للإنسان) فكيف للحقيقي والمفترض أن يتضامّا في خطاب واحد متوحد اللهجة مستقر العبارة؟ وهل يمكننا أن نعدّ هذا التضامّ تناصاً كبيراً يقصد به وضع التاريخي المقيّد ضمن السياق الأدبي المتحرر؟
وتنظيما لما سبق من تساؤلات، سينتظم هذا البحث في ثلاثة مباحث هي:
المبحث الأول: الموازنة بين الروائي والتاريخي·
المبحث الثاني: التعامل مع الشخصية التاريخية·
المبحث الثالث: مسوغات لجوء الرواية إلى التاريخ·