كتاب " قضايا في الرواية الأردنية " ، تأليف الدكتور نضال الشمالي ، والذي صدر عن دار المؤسسة للدراسات والنشر .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب قضايا في الرواية الأردنية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
قضايا في الرواية الأردنية
المبحث الثاني :التعامل مع الشخصية التاريخية
إن كل مضمون لابد وأن يفرض شكلاً خاصاً به، والشخصية مهما اختلفت وتنوعت فإنها مضمون يفرض شكله الخاص، وهذا الأمر ستتضاعف مسؤوليته إن كان المضمون منجزاً في التاريخ، وعلى الأديب أن يتعامل معه ضمن هذا المعطى· وفي الحقيقة أن الشخصية التاريخيّة شخصية مرهِقة لكتّاب الرواية بشكل عام، وكاتب الرواية التاريخية بشكل خاص، لأنها تدخل إلى العمل بحقيبة ملابس جاهزة لا يمكن إبعادها عنها أو اقتراح ملابس جديدة لا علاقة لها بالصورة المرسومة عنها، إن الشخصية التاريخية تفرض بحضورها في العمل طوقاً يحدّ من حرية الكاتب لا تخففه إلا الشخصيات المتخيلة، فالشخصية التاريخية من المتانة والثقة بالنفس بحيث تقود الكاتب إلى مصيرها هي كما حُسم قبل مئات أو عشرات السنين، وهذا ما يجعل أي سردية تاريخية مهددة بخطر استحواذ التاريخ عليها·
من هنا يبرز التساؤل التالي: كيف تعاملت الرواية التاريخية مع الشخصيات التاريخية؟ وما مدى النجاح أو الإخفاق الذي حققته الرواية التاريخية في تعاملها مع هذا النمط من الشخصيات؟ وكيف يوازن الكاتب بين إيديولوجيات سياسية متناقضة للشخصيات من جهة ومناقضة لإيديولوجيته السياسية بوصفه مؤلفا من جهة أخرى، وهذا أمر طريف جدا لأن الرواية عندما يتم فيها إعلان تناقض صريح بين آراء الكاتب والإيديولوجيات والتصورات المغايرة، فإن الرؤية فيها تصبح ذات طابع مونولوجي واضح(43)، وبناء على ذلك أخذ التعامل مع الشخصية التاريخية في السردية التاريخية الحديثة أكثر من شكل، ويمكن تصنيفها حسب ما يلي:
1- الشخصية التاريخية المفعّلَة في الحدث·
2- الشخصية التاريخية المقصاة عن الحدث·
3- الشخصية التاريخية المفترضة في الحدث·
1 - الشخصية التاريخية المفعّلة
تعد الشخصية التاريخية المفعّلة في الحدث من المعضلات التي ترهق الروائي بل وتأسره ضمن قانونها التاريخي الخاص، وتوظيف الشخصية التاريخية في العمل يحتاج إلى دراية كاملة بالأحداث التي اشتركت فيها الشخصية وتلك التي لم تشترك فيها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما اللغة التي سوف تتحدث بها هذه الشخصية، هل كفلت لنا المراجع التاريخية نماذج خاصة تمنحنا قدرة على توظيف لغة هذه الشخصية· إن قدرة الروائي على التخييل وربط الأحداث واستنتاجها كفيلة بأن تقدم للروائي تصوراً جيداً عنها حتى يعمد إلى توظيفها في روايته·
ولا تقف الصعوبات عند المرجعية التاريخية فحسب، بل يتعدى ذلك إلى المرجعية التخييلية عندما تتورط الشخصيات التاريخية في حوار أو موقف مع شخصيات متخيّلة، إذ لا تكفل لنا النصوص التاريخية دائماً الوثائق التي نحتاجها، فنعود مرة أخرى إلى تأكيد مبدأ المزاوجة بين ما كان وأُثبت، وما كان ولم يُثبت (المسكوت عنه)، إذ إن أي خطأ في هذه المزاوجة قد يفسد بناء الشخصية التاريخية ومن ثم المصداقية الوثائقية في العمل الروائي برمّته· فما كان ولم يُثبت (المسكوت عنه) يجب أن يتناسب مع ما كان وأُثبت، فيغدو مقبولاً؛ فمساحة (المسكوت عنه) في الرواية التاريخية هي المساحة التي يمكن لكاتب الرواية التاريخية أن يتحول فيها رغم ضيقها، ولكنه بخياله الخلاّق قادر على توسيعها في ذهنه واستغلال كل شبر فيها، وهذا ما يرفع كاتبا ويحط آخر، إذ ليس موضوع الرواية التاريخية - بالدرجة الأولى- هو من يعلي من شأن العمل أو يحط منه، بل حسن الأداء هو سيد الحكم دائماً· ولكن يبقى حضور هذا النمط من الشخصيات مكونا أساسيا من المكونات الإيديولوجية للنص·
وقد برز هذا النوع بوضوح لدى سميحة خريس في القرمية وزياد قاسم في الزوبعة، إذ كان لا بد من الاقتراب حد التفعيل من بعض الشخصيات التاريخية، والروايتان تقتربان كثيرا من الموضوع التاريخي المناقش، فالزوبعة بإيديولوجيتها القومية تسعى لإعاد تشكيل الوجه السياسي للجزيرة العربية وبلاد الشام منذ عام 1860 وحتى 1945، أما القرمية فتخصص الحديث عن دور قبائل الأردن في إنجاح الثورة العربية الكبرى في مطلع القرن العشرين، ومن الطبيعي أن تتشابه الشخصيات التاريخية في هذا الصدد، ففي القرمية ظهر كل من عودة أبو تايه (ت1924) والأمير فيصل بن الحسين (ت1933) والإنجليزي لورنس العرب (ت 1935) وبعض قادة القبائل العربية والجيش البريطاني، وبالمثل ظهرت شخصية الأمير فيصل بن الحسين ولورنس العرب والجنرال الانجليزي اللنبي (ت1936) وانطون سعادة (ت1949) وعز الدين القسام (ت1935) وكلوب باشا (ت1986) وغيرهم في الزوبعة ولكن كيف تعامل كل من الروائيين مع هذه الشخصيات الثابتة تاريخيا ذات النزعات السياسية المتناقضة؟