أنت هنا

قراءة كتاب الهجاء عند جرير والفرزدق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الهجاء عند جرير والفرزدق

الهجاء عند جرير والفرزدق

كتاب " الهجاء عند جرير والفرزدق " ، تأليف د. خالد يوسف ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

الهجاء عند جرير

لا يذكر الهجاء عند جرير، إلاّ ويتبادر إلى الذّهن فوراً تلك المناقضات التي حمي وطيسها وارتفع غبارها، وردّدتها الألسن وما زالت وأهمّها وأوسعها إنتشاراً: نقائض جرير والفرزدق، ونقائض جرير والأخطل. ولو أنّ الهجاء لم يكن الموضوع الرئيس أو الهدف الوحيد للنّقائض، غير أنّه يشغل حّيزاً كبيراً ومهمّاً منها. إذ إنّه لم تخل نقيضة أمدحاً كانت أم فخراً، أنسيباً كانت أم رثاء... إلاّ وتضمّنت أبياتاً في الهجاء. على كلّ فلنحاول استجلاء فنّ جرير في الهجاء.

لقد ظهر ممّا سبق، اين تكمن عقدة النّقص عند جرير، ولمّا عرف هو ذلك، فقد كان لزاماّ عليه أن يتشبّث بنقائض تناهت إليه عن خصمه وقبيلته، فبالغ فيها ورسم لها صوراً مستوحاة من مجهر عينه الثّاقبة، فسخر بها سخرية لاذعة، وجعل من أصحابها لقمة سائغة تلوكها الألسن. وكأنّه بذلك ينتقم من مجتمعه، ويصبّ جام غضبه على كلّ من عاصره، لكثرة من اشتبك معهم. وكأنّي به قد شهر سيفه، وأطبق جفنيه، ثمّ أطلق ليمناه العنان لبتر عنق كلّ شاعر تلقاه، فلم يبق على صديق ولا نصير.

والعيوب التي تناول بها جرير خصومه ليست جلّها عيوباً شخصيّة، بل هي عيوب إجتماعيّة تتمثّل في المجتمع أو القبيلة التي ينتمون إليها. ومن العناصر المشتركة في هجائه الشّخصي، العنصر النّسائي الذي تمسّك به تمسّكاً متيناً بحقّ أوبغير حقّ. وهناك عناصر انفرد بها شاعر دون آخر، كالنّصرانيّة عند الأخطل. والفسق و الفجور عند الفرزدق، بالإضافة إلى (جعنّن) والقيون. واللّؤم ورقّة الأصل الذي عرف عن التّيم.

أمّا كيفيّة دراسة الهجاء، فقد ارتأيت دراسته بشقية: الهجاء المعنوي، والهجاء المادّي. فتحت هذين البابين تندرج جميع أنواع المهاجاة من: شخصيّة واجتماعيّة وأخلاقيّة وسياسيّة ودينيّة...

أ- الهجاء المعنوي

إنّ هذا النّوع من الهجاء يتعرّض لنواقص في القيم الأخلاقيّة والشّيم الإجتماعيّة التي اعتاد عليها النّاس وتعارفوا. وكلّ من يخّل أو يحيد عن نهجها المرسوم - ولو قيد أنملة - كان عرضه لأن تنهشه أنياب النّقاد، وتذريه رياح الاعداء والخصوم الذين يجدون في ذلك مأرباً لهم. إنّ هذا النّوع لقديم العهد في الأدب العربي، راسخ الجذور، عميق الغور - اللهّم - إلاّ ما فرضته ظروف وتطوّرات طارئة معيّنة، كالهجاء الدينيّ مثلاً.

أمّا الهجاء المعنوي عند جرير، ما خلا الديني منه، فهو في مجمله عودة إلى الجاهليّة، أو بالأحرى إحياء لتقاليد وعادات جاهليّة بائدة كاد الإسلام أن يقضي عليها، ويزيل أثرها من نفوس المسلمين، وأخرى عمّت المجتمع قبل الإسلام ثمّ جاء الدّين الحنيف ليدعمها ويثبتّها ويقويها لما فيها من خيرللعباد. ولعّل عناوين المباحث التي تنطوي تحت هذا الباب، هي:

1 - الأيّام:

تعدّ الأيّام في مقدّمة العناصر التي استغلّها جرير للإمساك بخناق خصمه، والإجهاز عليه ليقوّض ما يشعر به من نقص. فكانت نصاله التي غرزها في نحر عدوّه إمّا جاهليّة ترجع إلى ماضي القبائل، وأكثر ما تجلّت بينه وبين الفرزدق، وغيره من الشّعراء المسلمين. وإمّا إسلاميّة اشتدّ أوارها بينه وبين الأخطل.

عيّر جرير الفرزدق بيوم (أوارة)، إذ كان لعامر بن مالك على دارم، فقال:

ولسنا بذبح الجيش يوم أوارة

ولم يـستبـحـنا عامـر وقـنابـله(34)

وكان يوم (أَقْرُن) لعبس على دارم، وفيه يقول جرير:

عرفتم بني عبس عشيّة أقرن

فـحُلّي لـلجيش اللواءُ وحامله(35)

وبهذا اليوم، يعيرّ، كذلك، الفرزدق، قائلا:

هل تعـرفـون على تنِيَّة أقرن

أنس الفوراس يوم شُكّ الأَسْلَعُ

وزعمتَ ويلَ أبيك أنّ مُجاشعاً

لو يسمعون دعاء عمرو وَرَّعوا(36)

الصفحات