كتاب " ثقب في الجدار " ، تأليف بسام السلمان ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب ثقب في الجدار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ثقب في الجدار
(1)
انطلقَت السيارة الأميركية في شوارع (أبو ديس) مسرعة، تاركة خلفها دماءً تنزف وأصواتَ نساءٍ يبكين استشهادَ أحدِ الشباب في منزله، اتجهَت السيارة إلى الخطّ الأخضر، نفّذت مَهمّةً جاءت مِن أجلِها. فيها أربعة رجال، يتبعهم مجموعة من رجال المقاومة، كانت الحافلة سريعة جداً، تُقلّ بداخلها مجموعة من الرجال بِزيّ عربي.
خرج مجموعة من الأطفال يحملون بأيديهم حجارة، ركضوا خلْفها بأرجل حافية، ابتعدت في شارع قريب من السوق واختفَت في أزقّة القدس.
وضعَت «فاطمة القاسم» يدَيها على وجنتيها، واتكأت بمرفَقَيها على النافذة التي مرّت مِن تحتها السيارة الأميركية، راحت تُراقب شوارع (أبو ديس) الضيّقة والتي تعرفها جيداً، تتراكض مسرعة بذاكرتها إلى الوراء كأنها سنوات يوسف العجاف، تجمّعت في تلك الليلة، تجمّعت في ليلة واحدة وباتت تتسارع على طرفي الشارع إلى الخلف، مدّت رأسها تريد رؤية شيءٍ ما، حاولَت مطّ عنقها أكثر لكنها لم تستطع، كاد حجابها أن يسقط عن رأسها، تراجعَت قليلاً إلى الوراء، أصلحَت حجابها، عادَت وَوَضعَت يدَها على سكّة «شباك الألمنيوم».
امتلأ الشارع بالرجال وسيارات الإسعاف، حين شمّت الرائحة وسمعت الزعيق، وكانت يدا «ربيع العربي» معقودتين خلف ظهره، وقدماه الشاردتان تخطوان على مهَل، تدبّان على الأرض دون تبَصُّر أو رؤية أي شيء أمامهما بوضوح.
عيناه غائرتان تجولان في الآفاق كأنهما تكنسان الطريق، والدموع تلهث فيهما، وتلتهب الشجون في حلقه الجاف. عندما سمع بأمر السيارة الأميركية تغيّرَت هيئته... انتفض... صعد إلى غرفته مسرعاً، ثم التقط شيئاً من تحت السرير.
كان الجوّ بارداً تقترب درجات الحرارة فيه إلى الانجماد وتوشك السماء تندف ثلجاً، كان الشارع قبل حادثة السيارة الأميركية هادئاً، وفي السماء غيوم مثقلة بهموم كثيرة بعضها بيضاء وبعضها الآخر في اسوداد. الغيوم التي كانت تطفو فوق الجبال والأشجار العالية، غيوم قطنية تتجمّع وتسبح بِكَسَل، وكان الجدار هو الذي منَع فاطمة من رؤية «علِي» ينحدر كسيل جارف من بيتهم يحمل سلاح الـ«كلاشن كوف»، كان صراخ النساء في الطرف الثاني من (أبو ديس) يمتزج بصوت الـ«بك أب»، وكانت فاطمة على نافذتها تنتظر فرَجاً قريباً.
قفز مجموعة من الشباب المسلحين بأسلحة خفيفة في «بك أب» وانطلقوا يطاردون السيارة الأميركية.