كتاب " ويزهر المطر أحيانآ "، تأليف نيرمينة الرفاعي ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب ويزهر المطر أحيانآ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ويزهر المطر أحيانآ
قال بعد أنْ طالت فترة الصمت واقتربنا من إنهاءِ طعامِنا: «أعلمُ أنك لن تحبّي ما أريدُ قوله.. ولكنني مضطر إلى نقلِ بعض الأعمال إلى روما.. هناك بعضُ الصفقات التي تستدعي وجودي شخصياً.. ولا أستطيع تمضيةَ وقتي في الطائرات».
«أمامك خياران.. إما أن تأتي معي.. لفترةٍ لا أعرف مدتها.. قد تطولُ سنةً أو أكثر، أو تستطيعين البقاءَ هنا في عمّان.. لن يتغيَّر عليك شيء.. وسآتيك كلما أستطعت».
ارتشفتُ بعض العصير من كأسِ صدمتي..
إذن، هذا هو سرُّ سعادته هذا المساء! لا بد أنّ صفقةً أخرى كانت في طريقها إليه!
ثارت أفكاري.. وقلت وأنا لا أعلمُ كيف تستطيع أفكاري تغليفَ نفسها بهذا القدرِ من الهدوء:
«سأبقى هنا.. أنت تعلمُ أنني لا أقوى على الغربة».
رد على جملتي والغضب يكاد يعصف به: «كم أنت ساذجة أيتها المرأة! لا أفهم ما يبقيك في عمّان!».
لم أحاول شرحَ مسببات قراري، فهو لن يقتنعَ بها حتى وإن حاولت..
كنتُ أرضخ لأوامرهِ في معظم الأحيان، فلم يتوقع مني اختياراً غير مرافقته..
هو لم يكن يخيّرني.. لقد كان يأمرني..
كانت نظراتُ الاستغرابِ متجليةً على وجههِ الصخري... الاستغرابُ يصبح قبيحاً عندما يمتزجُ بالغضبِ، أما أنا... فصمتي غرقَ في المزيد من الصمت... والمزيد من الإصرار....
ركبنا السيارة صامتين، نفتعلُ الهدوء..
شعري يتوِّج رأسي مرتفعاً كأنني الملكة.. وبضع خصلات قد وقعت على جبيني متمردة على عرشها، كأنها تفضح زيف هذا العرش المصنوع من عجين، جسدي يرتجف تحت الثوب الوردي المغطى بشال خفيف، فلم أكن أتوقع برد هذا المساء الذي امتزج بخوفي، فازداد ارتجافي...
لم خفت؟ لا أعلم! ولكنني شعرتُ أن زوجي لن يتردد في فرضِ رأيه عليّ. كنت أعرفُ أنني عاجزةّ عن مواجهته!
طوال الطريق لم أكفّ عن التهام الشوارع التهاماً، كأنني قد اغتربت حقاً عن هذه المدينة بمجرد طرح فكرةِ الاغتراب..
كم أحبّ عمّان!
كم أحبّ هذه المدينة العتيقة!
أحبّ أرصفتها الضيقةَ التي لا تكاد تتسعُ لمرور الشخص.. الحفرَ والمطبات المنتشرة في شوارعها كأنها تجاعيدُ عجوزٍ أتعبتها قصصُ الناسِ الذين مشوا فوقها.. نثروا دموعهم عليها.. ورحلوا..
عمّان.. هذه المدينةُ المنتظمة بعشوائيتها.. الجميلة بتلقائيتها..
عمّان.. هذه الطفلةُ التي تستيقظُ وهي تلعبُ (الحجلة) كل صباح..
عمّان.. هذه الصبيةُ التي تفردُ شعرها الأحمرَ القاني كل مساء وتبعثرهُ مع خيوطِ شمسِ المغيب..