كتاب " في مستوى النظر " ، تأليف منتصر القفاش ، والذي صدر عن دار التوير للنشر والتوزيع (مصر).
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب في مستوى النظر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في مستوى النظر
وحينما يحتد الخلاف بين الصديقين ويتمسك كلاهما برأيه، تصير قوة صوت كل منهما سلاحه في الحوار، ويقاطع أحدهما الآخر ويكرران حججهما أكثر من مرة. وقد يكون كل هذا الخلاف حول أيهما أفضل المعاش المبكر أم الذي يأتي في موعده. على الرغم من أن الاثنين خرجا إلى المعاش بعد أن أتمّا الستين. وكان عم سعيد منحازا إلى الخروج المبكر، وسينصح به أي شخص دون تردد، لأنه سيكون أمام الإنسان وقت ليجرب عملا جديدا أو ليركز في عمله الإضافي الأكثر دخلا، أما أبي فكان يرى أن أفضل شيء أن يتم الإنسان عملا بدأه، بالإضافة إلى عدم وفرة فرص العمل. وقد تضحك إحدى الجارات الجالسة مع أمي بعد أن صمتتا لحظة اشتداد الخلاف أكثر من المعتاد، وتقترح على أمي المناداة على أبي حتى تفض المعركة. وقد تنادي عليه بالفعل فيخرج أبي إلى المنور وهو مازال يكمل رده على صديقه:
ـ فيه ايه؟ أنا اشتريت كل حاجة
فتشير إليه أمي بأن يخفض صوته فيهز رأسه موافقا ويدخل.
وأحيانا يطل أحد أصدقائهما من الشباك. ويتساءل كأنه غاضب «إيه الدوشه دي؟»، فيدعوانه إلى الدخول. فيخبرهما أنه ذاهب لشراء شيء. لكنه يظل واقفا في الخارج يضحك معهما على علو صوتيهما وخلافهما الذي لا ينتهي. ويكرران الدعوة له للدخول بدلا من أن يظل يتحدث من الشارع. فيعدهما بالمرور عليهما وهو راجع.
وحدث كثيرا أن وضع حدا للخلاف إبراهيم الساكن في الدور الأول، خاصة عندما يكون أبواه خارج البيت، وذلك بأن يزيد من علو صوت التليفزيون. فيخرج أحدهما إلى المنور ليصيح فيه بأن يخفض الصوت، فلا يجيبهما، فيخرج أحد الجيران من الأدوار الأخرى صائحا:
ـ والله حرام الدوشة اللي تحت دي
فتنخفض الأصوات كلها، وإن علا صوتاهما مرة أخرى يودع أحدهما الآخر عند باب الشقة.
بعد فترة، لاحظ كل الجيران الفتور الذي انتاب علاقتهما، فلم يعد أبي ينزل أو يمر بشقة عم سعيد أثناء رجوعه من الخارج. ونفى كل منهما وجود أي خلاف بينهما. ولم تنجح أمي في معرفة السبب. واكتفى أبي بتكرار:
ـ مش فرض إننا نقعد مع بعض على طول
لكن كعادتهما، منذ سنوات وحتى توفي أبي، ظل كل منهما في شقته يرفع صوته وهو يتلو القرآن في الفجر، وعندما يسهو أحدهما فيخطئ أو ينسى كلمة في التلاوة، يجد صوت الآخر يرتفع بقوة مصححًا له رغم أنه يتلو سورة أخرى.