كتاب " في مستوى النظر " ، تأليف منتصر القفاش ، والذي صدر عن دار التوير للنشر والتوزيع (مصر).
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب في مستوى النظر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في مستوى النظر
في كل مرة كان يناديني فيها كنت أتخيل نفسي إما أحد الأبطال الذين يُسرعون لنجدة شخص يستغيث بهم أو لصًّا يتسلل إلى الشقة في خفة، ويقضي على من يعترضون طريقه بضربات سريعة قاتلة. كنت أتقمص أحد الدورين فور سماعي نداءه. وأنزل السُّلم وأنا أصيح الصيحات المناسبة لكل دور، لكنها في الحقيقة كانت صيحة واحدة «يا. يا. يااااه» وأنا الوحيد الذي يعرف إن كان قائلها البطل أو المجرم. وحينما أدخل وأفاجأ بكثرة أعدائي كنت أتأخر ثواني في فتح الباب، ويعلو صوته: «فيه حاجة؟» فأُسرع بفتح الباب له وأنا أجهز على آخر شخص. وفي مرة إثر ضربة قوية من يدي، كادت زهريّة بها ورود بلاستيك أن تتهشم لولا التقاطي لها ووضعها في مكانها وأنا أراها كأس الانتصار. قال لي إنني على عكس ابن الجيران الذي كان يستعين به حينما يكون أخواي في الجامعة، فقد كان دائما يكسر أو يوقع شيئا كلما قفز داخل الشقة. تخيلت ابن الجيران وهو لا يقضي على خصومه بسهولة، واضطراره للاستعانة بشيء ليزيح عنه من يحاول خنقه أو قتله. خروجه من الشقة كان يعني أن أستعد لأؤدي مهمَّتي فور عودته. وكنت أشعر بالضيق حينما أجده لم ينس المفتاح ولم ينادِ عليّ. قال لي إنني أسرع من أخوي اللذين يحتاجان إلى أن يكرر نداءه. ويظل واقفا أمام الشباك في الشارع حتى ينزل أحدهما. وقال إنه سيأتي يوم لن يستطيع فيه دخول شقته التي عاش فيها معظم عمره. رددت عليه أن كثيرين من أبناء الجيران يتمنون لو نادى عليهم ليقفزوا، وفي أسوأ الأحوال يستطيع أن يكسر باب الشقة. ضحك «ياريت الحياة تبقى دايما سهلة» أحسست أنه يقصد معنى آخر لم أفهمه، وقلت له إنه لا توجد شقة لا يمكن دخولها إلا إذا كانت بلا نوافذ ولا أبواب، فرد علي وقد اشتد ضحكه «ودي الشقة اللي حاسكنها في النهاية» قالها وهو يحدّق في عينيّ كأنني حللت لغزا مستحيلا دون أن أدري. ودفعتني كلماته إلى تخيُّل نفسي وأنا اقتحم مكانا بلا نوافذ ولا أبواب دون أن أحطم أي جزء من جدرانه.