كتاب " في مستوى النظر " ، تأليف منتصر القفاش ، والذي صدر عن دار التوير للنشر والتوزيع (مصر).
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب في مستوى النظر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في مستوى النظر
صداقة
ربما لأن النزول أسهل من صعود السّلم. وربما لأن شقة عم سعيد في الدور الأرضي فيطرق أبي بابها بعدما يكون قد اشترى ما يريد ويجلس معه يتبادلان الحكايات. وكثيرا ما اضطرت أمي إلى إنزال السَّبَت ليضع فيه أبي ما اشتراه لمعرفتها بأنه سينسى نفسه في الجلوس تحت. مرات قليلة هي التي صعد فيها عم سعيد إلى شقتنا في الدور الثالث. وكان السبب غالبا مرض أبي أو أحد أفراد الأسرة. وأثناء صعوده المتمهل يظل يتنحنح ويسعل، كأن صعوده النادر يستحق الإعلان عنه. وإذا قابل أحد السكان فلابد أن يذكر له أنه كبر على الصعود والنزول. ويعلم كل من في العمارة أنه كان سيصعد دائما إلى شقتنا التي أراد استئجارها لولا اختلافه مع صاحب البيت على قيمة الإيجار، وتراجع عن موقفه في اليوم الذي وقع فيه أبي العقد.
لم يتضايق أبي من نزوله الدائم، وإن لم يبرر أيضا عدم صعود صديقه سوى بأنه يتعب دائما من أي سلم. وصارت جملة أبي «أنا نازل تحت» لا تعني سوى شقة عم سعيد، يقولها بصوت عالٍ كأنه يخبر صديقه بقدومه. وكان من السهل أن يسمع الجيران معظم ما يقولانه، فالاثنان يتشابهان في تحدثهما بصوت عالٍ وإن كان ضحك أبي أقوى. وكثيرا ما سمعت أمي وهي تقول كأنهما يكلمان الشارع كله. وبالفعل لو كنت تمر في الشارع سيضطرك صوتاهما المرتفع إلى الالتفات إلى شباك عم سعيد، و ستظن لوهلة أن هناك اثنين يتشاجران وتتوقع سماع صوت صراخ أو شيء يتكسّر. طلبت أمي من أبي أن يخفض صوته أثناء وجوده تحت، فرد عليها ضاحكا «وفيها إيه لما الناس تسمع؟». لم يكن واضحا في رده هل هو متضايق من طلب أمي وضِمنيًّا من طلب الجيران غير المعلن أم أنه لا يستطيع أن يخفض صوته؟