كتاب " الليل الدامي "، تأليف نصير أحمد الريماوي ، والذي صدر عن دار الجندي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب الليل الدامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الليل الدامي
ملحمة شعرية
مَجزَرَةُ بَيت الريم
"اللَّيلُ الدَّامي"
خَمدتْ خَطواتُ السُكانِ
بكُروم اَلزَيتونِ
واِنسَلَّت أَشباحُ الليلِ
وصارت تنذرُ بالويلِ
تدنو أسرابٌ من عرباتٍ
مُجَنزَرةٍ.. مُدرَّعةٍ بجنودٍ مُرَصّعةٍ
تتجمعُ في ساعاتِ العصر
في مدخلِ بلدةِ "بيتِ الريم"..
جزءٌ في الشرقِِ وآخرُ غرباً
وشمالُ البلدةِ وجنوب
توزَع كلُ الجُندِّ على أبوابِ البلدةِ
أحاطوا بها من كلِّ جهةٍ
تَرفِدهم وحداتٌ هَمجِيّةٌ
تُدعى" دوفدفان " الوَحشِيّةُ
بمقدمِها جُندٌ ومجهولون
ليس لهم أيُّ هوية
كان الطوقُ علينا صعباً
لكن مع سَكناتِ الليلِّ
لم يظهرْ أيٌّ من أشباحِ اَلغُولِ
لاذوا في الوادي بين تلالِ الزيتونِ
وخلفَ السفحِ وتحتَ الصخرِ
وبينَ الأشجارِ وهم بالشرِّ يَصولون.. يَجولون
بوجوهٍ طُليتْ بالألوانِ
بالأسودِ من لونِ الشيطانِ
وبأيديهم من كلِّ سلاحٍ
لا يَعرفُ للرحمةِ رَاح
في البلدةِ كانَ الناسُ نِيام
إلاَّ من جافاه النومُ فقامَ
وجنودٌ ترقبُ بينَ خِيام
حَامَ فوقهُمْ الزُؤامُ
كانت طرقاتُ البلدةِ تسبحُ في الأحلامِ
لا أحدَ يعرفُ ما يجري
وعيونٌ تَحكي دونَ كلامٍ
هاماتٌ وقفتْ كالأصنامِ
في ظلمةِ تلكَ الليلةِ بينَ لفيفِ الأصحابِ
لا يدري أيٌّ منهمْ بالطوفانِ
يأتي بالموتُ بجنودٍ يسكنُهمْ شيطانٌ
مَلهِيٌّ كان البعضُ
في مَخفَرِ الشرطةِ بالبلديةِ
تُشغِلهُمْ أعمالٌ أَمْنِيّةٌ
في وسطِ البلدةِ
لا أخبارَ
ولا رُقَباءَ
لا طيفٌ في الشَّارعِ سَيّار
سوى أطيافِ جنودٍ من صهيون يجنوُنَ العارَ!!
داهمَ كل الجُندِ البلدةِ
طافوا بجميعِ الأحياءِ
زحفوا مثلَ عقارِبِ صحراءٍ صفراءٍ
كالأفعى كالحيةِ الرقطاءِ
تنتظرُ أنْ تقتربَ ضحيةٌ
قَدِموا من كلِّ نواحي الأرضِ:
عابودَ، كفرِ الديك، وكفرِعين
من قريةِ نبي الصّالحْ والبَرّيّةِ
في الثانيةِ من فجرِ الصُبحيةِ
جاءتْ دباباتٌ عُدوانيةٌ
عرباتٌ بالجنزيرِ عَتِيّةٌ
وفِرَقُ جنودٍ تحميها بالنارِ طيورُ جَوارِحٍ جويةٍ
دخلوا الأحياءَ بلا إنذار
وبأيديهمْ أسلحةٌ تقذفُ ألسِنَةً ناريةً
صَبّوا كلِّ النارِ
على رجالِ السلطةِ الأمنيةِ
في البلدةِ من طرفِ الجهةِ الشرقيةِ
رشاشٌ يرمي تتقدمهُ جرافاتٌ .....
عرباتٌ بالعسكرِ مَكسِيَّةٌ
تتسابقُ عبرَ شوارِعها يعلوُها صوتُ الجُندِ...
ممنوعُ التجوّلِ.. ممنوعُ السيرِ في الطرقاتِ
من يخرجُ يُقتلُ أو يُعتقلُ أو يتعرضُ للضَّربِ عَشيّة
مُنِعتْ مِنّا طرقاتُ البلدةِ والسيّرِ بها في الفَجريَّةِ
وأفاقَ الناسُ على وَقعِ هدير الدباباتِ والعرباتِ
وقَصْفِ غاراتٍ جويةٍ
وأزيزِ رصاصِ الرشاشاتِ
لمعانِ قنابلً صوتيةٍ
لم ينجُ منها الشَّارعُ والمنزلُ.. فكانتْ
أشبَهَ بالهَزّةِ الأرضيةِ
و رجالُ الأمنِ قِلّةً
لم يتجاوزا سبعة أفرادٍ
جاءوهم دونَ سابق إنذارِ
وعليهمْ بدأوا إطلاقَ النارِ
أُصيبَ البعضُ
أحدُهم كان نائماً على سريره
في الظلِّ وتحتَ غصونِ الزيتونِ
صَوّبَ جنديٌّ من صهيونً
ماسورةَ رشاشٍ غدّارٍ
نحوهُ فاستُشهِدَ في الحالِ
زحفَ الجَرحى هرباً من أنيابِ الموتِ
نحو المنزلِ... نحو الزاويةِ من البيتِ
طلبوا الإسعاف من السكانِ
والبعض الآخر راح لينجو
بالهرب لقرى أقرب
في جُنْحِ اللَّيلِ المظلمِ
رَصَدٌ من فوقِ رؤوسٍ يترقبُ
طائرةَ نواظيرٍ صُنعت للَّيلِ
ببطونِ شجرِ الخروبِ توارَوْا
في سفحِ الجبلِ لهم ملجأٌ
"لِحزام" كان المَخبأُ
كي ينجوَ من قصفِ الرشاشِ
اِستُشهدَ منهمْ اثنانِ
والتينُ تمزّقَ والرُمانُ
وبكتْ أغصانُ الزيتونِ
مَنْ ماتوا وغَيّبهم المَنونُ
سُمعَ منهم آخرَ الكلماتِ
بجهاز الهاتفِ قَبلَ فواتِ
الرحمةِ لمن ضَحّى بحياة
من أجلِ الأرضِ من أجلِ النّاسِ على الطرقاتِ
: "اِستَشهدَنا".. وانقطعَ الصوتُ
نزفَ الشريانُ
تحتَ الأشجارِ وتحتَ غصونِ الرُمانِ
تُرِكوا ليموتوا قَبلَ أوانْ
ومقابلَ مبنى البلديةِ
اِستَشهدْ منهمْ رجلانْ صِنوانِ
ومنثورٌ على الأرضِ دماغُ أحدِهِما الشُّجعانُ
من قبلِ النَّومِ في الجهةِ اليسرى من البستانِ
وبعضُهم تَعرّضَ للأضرارِ
برصاصِ الجنديِّ الغدارِ
هاموا بينَ بيوتِ البلدةِ
تسيلُ دماهُمْ كالشّلالِ
تَرّوي الطرقاتِ.. تَرّوي ودياناً وتلالْ
منعوا عنهم الإسعافَ
لعدةِ ساعاتٍ من الإجحافِ
جاءتْ عرباتٌ تحملُ جُنداً
أرتالٌ تتبَعها أرتالٌ
دَكّوا أبوابَ بيوتِ البلدةِ
هدموا الأسوارَ.. كسروا الأقفالَ
عبثوا بالداخلِ والخارجِ
اعتقلوا جمعاً من شُبّانِ البلدةِ
غَلّوا أيديهم وعلى العينينِ شَدّوا العَصبَةَ
أخرجوا السكانَ من لبيوتِ مع النَجمةِ
غَصْباً تحتَ البردِ القارسِ والقَرِّ
خوفاً من أن يغضبَ جندُ الشَرِّ
منهم أطفالٌ وشيوخٌ ومرضى ونساءٌ حواملٌ
العالمُ يُندد.. يتساءَلُ
كانتْ باكورةُ هجماتٍ
في ذكرى أحداثٍ سنويةٍ ..
مجزرَة أهالي " كفُر قاسم"
ومَقْتلُ "زئيفي" وزيرِ الصُّهيونيّةِ
بوقُ الكُرهِ وبوقُ الحِقدِ وبوقُ دعاةٍ عنصريَّةٍ
صاحبُ تلكَ النَّظريّةِ
طَرْدُ السّكانِ من الأوطانِ كي تصبحَ أرضُنا يهوديةً
لذا نَفّذُوا مَجزَرة إرهابيةً..
أربعةَ بيوتٍ لشبابٍ ثائرٍ
نَسَفوها لم يبقَ منها أيُّ بقيةٍ
خلعوا الأشجارَ دَكّوا الجدرانَ
عاثوا في القريةِ ما تركوا
في كلِّ الأحياءِ السكنيَّةِ
بيتاً لم ينجُ من حِقدِ
بشاعةِ وحوشٍ بَرّيّةٍ
ذاتُ الجنزير وذاتُ البرجِ بصوْلتِها
تهرسُ... تطحنُ ...عرباتِ البلدةِ
على جَنْبِ الطرقاتِ كانتْ مُصطفّةً
تسويها بالأرضِ
تحرثُ شوارعَ بلدتِنا ....
تطلقُ طلقاتٍ ناريةً
من رشاشاتٍ لا تعرفُ معنى الرَّحمةِ
نحو الأهدافِ وصَوبَ صدورِ الثوارِ
ممن هَبُّوا رغمَ الأخطارِ
رغم القِلةِ... للذودِ عن البلدةِ والنَّاسِ
كالرعدِ كان الصوتُ يجيءُ
كالصاعقةِ فوقَ رؤوسِ النائمِ والحراسِ
يَهِزُّ الأرضَ يُجَلجِلُ في غَيم وسماءِ
حتى صارتْ سماءُ البلدةِ وهجَ ضياءِ
كانتْ كالنّارِ الملتهبةِ
بركانٌ من حِممٍ مُنسَكبةٍ
منعوا سياراتِ الإسعافَ..
ورجالَ الكلمةِ والإعلامَ
لم يُسمحْ لصليبٍ أحمرٍ .....
أو من كانوا خلفَ المَعبَرِ
طُرِدوا رغماً تحتَ التهديدِ
فبقوا في الخارجِ رَهنَ وَعيدٍ
أُغلِقت البلدة في يومين
في حسابِ الدَّهرِ كما الحَوْلينِ
في البلدة كان الكلُ ينوحُ
كان الشَّجرُ... كان الحجرُ
كان الإنسانُ..... كان الحيوانُ
كانت كلُّ الأرضِ تبوحُ
تحكي عن موتٍ وجروحٍ
نُقلَ الشُّهداءُ لرام الله
مع غروب الشَّمسِ يا خلقَ الله
البعضُ بلا رأسٍ.. بلا مَلامِحٍ
ودماغٌ منثورٌ على الأرضِ
ودماءٌ تنزفُ كالشَّلالِ
أجسادٌ هَشّمها دفقُ النيرانِ
دعاة سلامٍ مزعومٍ
وكلامٌ كذّابٌ موهومٌ
فرائسُ وحشٍ مشؤومٍ
جيشٌ صهيونيٌّ مأزومٌ
********
صار السُّكانُ لا يعرفُ كلُّ أين الآخرُ
غير العينينِ تختلسُ من النوافذِ النظراتِ
لترى ما يجري في الطُّرقات
وتعرفُ ما يحدثُ في البلدةِ وما هو آتٍ
لا أحدَ يقدرُ تَرْكَ المنزلِ
فالخطرُ الكامنُ في كلِّ زوايا البيتِ
رصاصٌ يُطلقه جندٌ يحمِلُهُ الموتُ
تسعةُ جرحى سقطوا في الحالِ
برصاص الصهيونيِّ المُحتالِ
لكنَّ نساءَ البلدةِ هَبّتْ في الفجرِ
بقلوبٍ مثلَ الجَمرِ لهَوْلِ الأمرِ
***
فالبلدةُ صارتْ كالسِّجنِ
والناسُ إلى أمرٍ جمعوا في ساعةِ وَهنٍ
ثلاثةُ شهداء وُضِعوا فوقَ الجنزيرِ
طافوا بالجثةِ كي يشهدَهُمْ طفلٌ وكبيرٌ
فرحينَ بصيدٍ نالوه في يومٍ صَريرٍ
في اليومِ التالي غادرَ كلُّ جنودِ الغزوِ
من بعدِ القصفِ البَرّيِّ وغارةِ طيرانٍ في الجوِّ
جلبتْ للبلدةِ كلَّ دمارٍ
ولجيشِ الغازي وصمة عارٍ
ولمقاومةِ بيتِ الريم كلَّ فخارٍ
كي تبقى الذكرى برقَ شرارٍ
وَهّاجٍ في دمِ الأحرارِ
تروي القصة للأجيال
لتصليَ للشهداءِ الأبرارِ
ولتُبقِيَ العهدَ..
ونصونَ الوعدَ..
و فلسطينُ الحرةِ
عربيةٌ تلسعُ كالجمرةِ
وبقيت "بيت ريما" كالشُّعلة
في حلقِ العدوِّ شوكةٌ
تحميها زنودٌ وبنادقٌ
وشبابٌ للموت يسابقُ
20/9/2012م
ملاحظة: كتبت القصيدة بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لمجزرة "بيت ريما" التي حدثت بتاريخ24/10/2001م، ونفذها جنود الاحتلال الصهيوني في محاولة لكسر شوكة بلدة بيت ريما الثائرة ضد الاحتلال الصهيوني، وإطفاء جذوة نضالها المستمر من أجل حرية فلسطين منذ مطلع القرن الماضي، وكذلك للدلالة على أن إسرائيل غير معنية بسلام عادل، والشيء الآخر تعتبر بلدة بيت ريما عريقة في النضال، وتاريخها النضالي ممتد إلى ما قبل النَّكبة وحتى اللحظة الراهنة، حيث قدمت الشهداء، وأعتقل الكثير من أبناءها في السجون في أكثر من عهد ومرحلة منذ الانتداب البريطاني مرورا إلى العهد الأردني ثم عهد الاحتلال الإسرائيلي، وهي لم تبخل بالعطاء، وما زالت تقدم المناضلين، والأسرى، والشهداء والقيادات الوطنية والفكرية والعلمية حتى اللحظة.
وقد كان هذا الاجتياح المميت للبلدة هو أول اجتياح لمناطق( ألف) الخاضعة للسلطة الوطنية، وقد استشهد خلاله خمسة شبان من أفراد الأمن الوطني والشرطة الفلسطينية،وجرح العديد من المواطنين، وتم نسف أربعة منازل مناضلين، وتصدع العديد من المنازل المجاورة، وحرق آخر.