كتاب " عن الديموقراطية " ، تأليف روبرت أد.
أنت هنا
قراءة كتاب عن الديموقراطية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
إن القرون الخمسة والعشرين التي كانت فيها الديمقراطية موضع نقاش، وجدال، ودعمٍ، وعرضةً للهجوم، والتجاهل، والتحقق، والممارسة العملية، وللتدمير، ولإعادة تحقّقها مجدداً، لم تفلح كلها، على ما يبدو، في تحقيق نوعٍ من الاتفاق حول معظم المسائل الأساسية حول الديمقراطية.
نلاحظ، للمفارقة، أن ترافُق الديمقراطية مع هذا التاريخ الطويل قد ساهم بالفعل في حدوث نوعٍ من الارتباك والاختلاف، وذلك لأن الديمقراطية كانت تعني أشياء مختلفة لأشخاصٍ مختلفين وفي أوقاتٍ وأزمنة مختلفة. ينبئنا التاريخ البشري كذلك بأن الديمقراطية قد اختفت، عملياً، لكنها بقيت حيةً تقريباً، وذلك بوصفها فكرة، أو ذكرى، بين قلةٍ مختارةٍ من الناس. نلاحظ كذلك أنه حتى ما قبل قرنين من الزمن فقط - أو لنقل عشرة أجيال - افتقر التاريخ كثيراً إلى نماذج حقيقية عن الديمقراطيات. يعني ذلك أن الديمقراطية كانت أقرب ما يكون إلى مسألةٍ يستطيع الفلاسفة التنظير بشأنها، وليست نظاماً سياسياً حقيقياً يتمكن الناس من تبنّيه وممارسته. لكن حتى في النماذج النادرة التي توافرت حيث نشأت «ديمقراطية»، أو «جمهورية» بالفعل، فإن معظم البالغين لم يكن يُسمح لهم بالمشاركة في الحياة السياسية.
لكن بالرغم من أن الديمقراطية قديمة بالمعنى العام للكلمة، إلا أن صيغة الديمقراطية التي سوف يتركّز عليها معظم مناقشتي في هذا الكتاب هي نتاج القرن العشرين. يمكننا القول إنه في هذه الأيام يتوافق الناس على الافتراض أنه يجب على الديمقراطية أن تضمن، فعلياً، حق التصويت لكل مواطنٍ بالغ. لكن قبل نحو أربعة أجيال - أي في نحو العام 1918، أو في نهاية الحرب العالمية الأولى - وفي كل بلدٍ ديمقراطي مستقل أو جمهورية مستقلة كانت قائمة حتى ذلك الحين، كان نصف مجموع السكان البالغين محروماً من الحقوق الكاملة للمواطنية. تألفت تلك الفئة من النساء بطبيعة الحال.
تبرز هنا فكرة مدهشة: إذا ما تقبّلنا بأن مبدأ حق التصويت الشامل لكل البالغين هو شرطٌ لتحقق الديمقراطية، فسوف يوجد بعض الأشخاص في كل بلدٍ ديمقراطي ممن هم أكبر من نظام حكمهم الديمقراطي. ربما لا تكون الديمقراطية بمعناها المعاصر حديثةً بالضبط، بل بالكاد قديمة.
ربما يعترض القارئ هنا على الفور: ألم تكن الولايات المتّحدة ديمقراطية منذ الثورة الأميركية وما بعدها، أو «ديمقراطية في جمهورية» حسب وصف أبراهام لنكولن لها؟ ألم يُطلق الكاتب الفرنسي الشهير أليكسس دي توكفيل على عمله الشهير عنوان الديمقراطية في أميركا، وذلك بعد زيارته الولايات المتّحدة في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر؟ ألمْ يُطلق الأثينيون وصف «الديمقراطي» على نظامهم السياسي في القرن الخامس ق.م.؟ وماذا كانت الجمهورية الرومانية إن لم تكن نوعاً من الديمقراطية؟ لكن إذا كانت «الديمقراطية» تعني أموراً مختلفة في أزمنةٍ مختلفة، فكيف يمكننا أن نتوافق على ما تعنيه هذه الأيام؟
يمكننا أن نواصل التساؤل بعد البدء بهذه العملية: لماذا الديمقراطية مرغوب فيها على أيّ حال؟ وما هو مدى ديمقراطية «الديمقراطية» في البلاد التي نطلق عليها وصف الديمقراطيات هذه الأيام: الولايات المتحدة، بريطانيا، وفرنسا، والنروج، وأستراليا، وعدد آخر من البلدان؟ واستطراداً هل من الممكن تفسير السبب الذي يجعل من هذه البلدان «ديمقراطية» ومن عددٍ كبيرٍ آخر من البلدان غير ديمقراطية؟ يمكننا مواصلة هذا النوع من الأسئلة إلى ما لا نهاية.
يتضح لنا عند هذه النقطة جواب السؤال الوارد في عنوان هذا الفصل. إذا كان المرء مهتماً بالبحث عن أجوبةٍ عن بعض الأسئلة الأساسية حول الديمقراطية، فإن وجود الدليل يُمكنه أن يؤدي دوراً مساعداً.
لا تقدم هذه الجولة السريعة، بطبيعة الحال، أجوبةً عن كل الأسئلة التي يحب القارئ أن يطرحها. لكننا اضطررنا إلى تجاهل مساراتٍ كثيرة ربما يعتبر القارئ استكشافها ضرورياً، وذلك بغية إبقاء جولتنا موجزة وسهلة. ربما يكون من الضروري استكشاف تلك المسارات، وأنا آمل مع نهاية جولتنا هذه أن يتمكن القارئ من استكشافها بمفرده. سأقدّم، لمساعدة القارئ في هذا المسعى، في نهاية هذا الكتاب قائمة مختصرة، بعنوان: «لقراءة المزيد»، بالكتب المتعلقة بموضوع كتابي هذا.
تبدأ رحلتنا هذه عند البداية: أصول الديمقراطية.