كتاب " التواصلية في أداء الممثل المسرحي " ، تأليف د.
قراءة كتاب التواصلية في أداء الممثل المسرحي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ولعل من ابرز المظاهر التي تتجلى فيها العملية التواصلية، هو الفن المسرحي في صيرورته الأدائية، عبر العرض المسرحي، الذي يعد ملتقىً للعملية التواصلية التي ينفرد الممثل فيها بوصفه العنصر الأهم في تلك العملية، حيث يكون الوسيط الفاعل بين المؤلف والمتلقي، عبر تجسيده شخصيات عالم الوهم والغياب الدرامي إلى عالم الحضور والواقع المسرحي.
والممثل بصوته وجسده، يستطيع تأكيد الفعالية التواصلية للمسرح بكل عناصره الأخرى، التي تتحول بدورها إلى إشارات رمزية دلالية وفقا للتكوين العقلي والجسدي لذلك الممثل.
فالممثل من وجهة نظر (آن أوبر سفيلد) كائن بشري يتلخص دوره في صنع العلامات داخل العرض المسرحي من خلال تحويل ذاته إلى علامات دالة، بحيث تغدو العملية المسرحية بمثابة تحويل الكائن البشري/الممثل إلى نسق سيميائي من خلال محورين[1]:
الأول: يتدخل في القصة المتخيلة، ومن ثم يحمل إلى الحضور ما ليس هناك أو ما هو غائب.
الثاني: يسلم نفسه- على خشبة المسرح وأمام المتلقي- إلى نشاط مادي في حضور أناس آخرين، وهو نشاط تنتمي طبيعته إلى العرض. ويتداخل نسقا العلامات الناتجان من هذين الفعلين، بل يتضافران في إدراك المتلقي من خلال عملية تبادلية.
ومن الجدير بالملاحظة ان المتلقي هنا، يأخذ دوره الفاعل، في إكمال الدورة التفاعلية للتواصل، وبانعدام وجوده وحضوره الماثل أمام المرسل، فان تلك الفاعلية التواصلية، تفتقر إلى احد أهم شروطها، وهو المتلقي. ومن المؤكد إن المتلقي هنا لا يقصد به الفرد وحده، حيث:
إن المقصود بالمتلقي، ليس فردا واحدا، لكنه مجموع المتفرجين المختلفين أيديولوجيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا. وقد يؤثر بعضهم في الآخر تحت عدوى ما يسمى بالشعور الجمعي في تلقي عرض ما، وفي ظروف معينة، حيث يكون المتفرج متواجدا أثناء العرض، وذلك تحصيل حاصل. ولكنه الشخص المرسل إليه في كل لحظة، وجميع تلك الإشارات التي لا تعمل إلاّ به ومن اجله فالضوء موجود ليرى من خلاله، والموسيقى لكي يستمع إليها. ويقيم المتفرج مع الممثل حوارا في كل لحظة، حواراً واضحا عندما يتوجه إلى المتفرج، وداخليا عندما يتوجه إلى من يخاطبه... ومثل كل مرسل اليه حي، وعلى امتداد العرض كله، يجيب المتفرج ليس فقط عن طريق إشارات منتظمة، ولكن إشارات ضئيلة، تنهدات، وارتعاشات، أشكال صمت مختلفة. وبعد حضور حفلة موسيقية، وبعد سماع نغمة معينة، ينشرح الحضور، ونسمع صوت الظهور وهي تستند إلى المقاعد الوثيرة. وهكذا يستمع الممثل إلى التحركات اللاإرادية لجمهوره. والفضاء المسرحي يفترض الوجود المتلاحم لأجساد المتفرجين، وهذا الوجود القريب أو البعيد سواء كان متراصا أو متفرقا ليس ضعيف التأثير. ويعتبر المتفرج بالنسبة لقضية العرض المسرحي علامة ليس فقط بالنسبة للممثل، ولكن لبقية المتفرجين[2].
ان هذه العلاقة الجدلية مع المتلقي تحيلنا إلى مفهوم (أرسطو) فيما عناه بمصطلح (التطهير) عبر إثارة الخوف والشفقة في التراجيديا الإغريقية، الذي استثمره منظرو علم الدلالة فيما يعرف بأفق التوقع[3]الذي يعنى بالإطار الذي من خلاله يفهم المتلقي العرض المسرحي المقدم له، من خلال تفاعله مع الرسائل والإشارات الدلالية التي يؤكدها العرض. وبناءً على ذلك فان الانطباعات المتبادلة بين الممثل والمتلقي، تكون عن طريق الصورة التي يمثلها جسد الممثل فضلا عن صوته ومكملات العرض الأخرى.


