أنت هنا

قراءة كتاب الحاسة صفر - قصة و رواية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحاسة صفر

الحاسة صفر - قصة و رواية

كتاب " الحاسة صفر " ، تأليف أحمد أبو سليم ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 6

وحدها بيروتُ كانت تحتسي نخب الرُّجولة، والرِّجالُ السَّاقطون من الهزيمة يملؤون اللَّيل خمراً وانتحاباً وانتظاراً وارتحالاً في الجنونْ.

سقط الحصار وأشرعت بيروت في ليل الهزيمة وجهها، فتَّشت عن آثار عيسى في الوجوه فلم أجدْ غيرَ انعكاس الظلِّ، لا معنى، ولا تاريخَ يسند جوعنا الأبديَّ للمعنى....

بقايا الموت في صبرا، وشاتيلا، مرايا حكمة العربيِّ.

صبرا.... العوااااااااءْ..... صبرا البكاااااااااءْ...... صبرا الَّتي رفعت مناديلَ الوداع مخيَّماً غابت وراء البحر.

لم يكن ثمَّة متَّسعٌ في رأسي لغيرِ الحَرب والبُكاء....

كنتُ أبحثُ في كلِّ الوجوه السَّاقطة من بيروت عن وجه عيسى.... وعيسى لم يكن قد مرَّ منها، لا عاصمَ اليومَ من النَّار، لا ظلَّ يحمي من حريق الشَّمس، أريد أن أتقن الاحتماء من الصَّبر والخوف، أحسست بالعبث والجنون، تركتُ الجامعة وركبت الحافلة إلى درعا دون أيِّ شعور بالنَّدم، أو الذَّنب، كنت مكسوراً، حزيناً، مهزوماً، تركت العنان لدموعي في الحافلة وانهرت دفعة واحدة ما أثار دهشة النَّاس، وشهيَّة رجال الأمن الَّذين ظلُّوا يواسونني ويستجوبونني طوال الطَّريق.

كانت رائحة الجثث المتحلِّلَةِ في صبرا وشاتيلا تعمي العيون، وتزكم الأنوف وهي تطوف كلَّ أرجاء الأرض.

تنفَّست الصُّعداء حين ترجَّلت من الحافلة قبالة المعسكر، ثمَّ سرت صاعداً الدَّرب الترابيَّ الـمُقفر وأنا ألهثُ حتَّى وصلتُ الباب، اقتادني الحرَّاس إلى مبنى القيادة، سلَّمتُ الرِّسالة الَّتي أعطوها لي في مخيَّمِ اليرموك لأبـي ناصر - قائد المعسكر- الَّذي قدَّمني بدوره إلى وحيد، بعد أن سقاني شاياً، ورحَّبَ بـي، وتبادل معي بعض الحديث.

كان المعسكر أشبه بواحةٍ خضراءَ وسط صحراءَ جرداء، يمتدُّ على رُقعة واسعة من الأرض المحاطة بسياجٍ من الأشجار يليه سياج معدنيٌّ مرتفع.

عند المدخل ثمَّة غرفة صغيرة إلى اليمين، هي غرفة الحارس الَّتي يستطيع من خلال نافذتها أن يكشف الطَّريق التُّرابيَّ الممتدَّ حتَّى الإسفلت الَّذي يصل بين درعا ودمشق، وإلى اليسار غرفة واسعة، عرفت فيما بعد أنَّها غرفة قائد الحرس أبـي ستَّة، وبعد بضع مئات من الأمتار مبنيان متقابلان: مبنى القيادة المؤلَّف من أربع غرف يقابله مبنى المطبخ، وصالة الطَّعام الَّتي تتَّسع لأكثر من ألف شخص، وحولهما تتناثر الخيام بطريقة بدت لي عشوائيَّة للوهلة الأولى، لكنَّني أدركت فيما بعد أنَّها مرتَّبة بعناية وذكاء.

قادني وحيد إلى مبنى قصيٍّ عند أطراف المعسكر يُطلُّ على ميدان الرِّماية، وسلَّمني عَتادي: بدلة الكاكي.... وحذاء الكتَّان الأخضر ذا العنق الطَّويل.... وبندقيَّة الكلاشنكوف وجعبة، وثلاثين رصاصة.

الصفحات