كتاب " كوخ في عطارد " ، تأليف لبنى السحار ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب كوخ في عطارد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كوخ في عطارد
(حتى وإن جلبتم لي صناديق من المصابيح لن أغفر لكم، كل محاولاتكم لن تغير من الواقع شيئا، فالعتمة في الزنـزانة تبتلع النور وتشقني إلى نصفين لذلك لن أراكم مهما فعلتم ولن تروني مهما ادعيتم.
إن الورود لا تعيش بين الأقواس..
إن كنتم بالفعل تشفقون على حالي أعيروني الحبل فقط ولن أنسى لكم ذلك الجميل).
حلمي كان ومازالَ وسيظل أن أعيش حرة كطير، يحط على الأرض حين يشاء، ويصعد حين يشاء، لا تخيفه قنابل موقوتة ولا تحاصره طلبات ولا تزعجه مهاترات ولا يلفت انتباهه صريخ هذا ونداء ذاك.
في كل مكان كنتُ أشعرُ بسبب همجيتكم وتصرفاتكم الأنانية ونعراتكم القبلية ورهبانيتكم التي ابتدعتموها وكثرة الإشارات الحمراء في شوارعكم بأنني يمامة مسلوبة الحرية، ولا حق لها في ممارسة أبسط أشكال الحياة.
أيعقلُ أن تمنعوا طيرًا من الطيران؟!
يحاول الشهودُ السذج أن يقنعوني بأن وجوه الحراس والساسة ملونة ولكنني لا أرى سوى ملامح متفحمة.
أنا: ألا تسمعونني؟!
إما أن تُعيروني حبلًا أو أجنحة اصطناعية أو أن تثقبوا لي الجدران.
هو: لا نستخدم الحبال هنا ولا نُصَنّع الأجنحة ولايسمح إطلاقًا بعمل ثقوب في الجدران فهي ملك خاص ويحرم العبث فيه.
غبية، تعيشين بين الحقول والسماء ولا تعرفين كيف هو حالنا على الأرض!
تقبلي ما رسمتهُ لكِ الأقدار، وتناولي طعامك واكتفي بما هو لكِ
أنا: لن أستجديكم بعد اليوم ولكن هلّا سمحتم لي بأن أسقي الريحان.
هو: إنّ السقيا هنا لا تجوز وقد تدنو إلى مرتبة العيب.
أنا: العيب ياسيدي ليس في الممارسات، العيب مزروع فقط في العقول الضيقة التي أكلها الصدأ فأصبحت ترى الأغلال في يد الفراشة أمر حتمي لا يجوز النقاش فيه.
منعوني من الكلام وقيدوني بسلاسل فولاذية حامية فقط لأنني كنتُ أحرضكم على الرقص رغم الموسيقى الكئيبة في القاعة.
بعدها زرعوا بجوار نافذتي الصغيرة والوحيدة شجرة طلعها أسود ولها رائحة بشعة تثبط العزائم والهمم، حجبتْ عني الشمس والقمر واللون الأخضر وقضتْ على آخر رذاذ للأمل.
صليتُ وطلبت من ملك الملوك أن يلهمني الصبر والشجاعة والقوة لأكمل ما بدأته، تجاهلتها وبدأتُ بتحطيم القضبان والسلاسل والزجاج، نـزفتُ طويلًا ولم يلتفت لي أحد، لم أحسب أبدًا كمية الدم التي فقدتها، فقدت إحساسي وحساسيتي، لم أشعر بأي ألم إلا بوجعٍ طفيف في الذاكرة.
يا فلان: تعال وامسح الدماء عن الأرض يكفينا عفن السجناء في الزنازين المجاورة.
صرختُ رافضة مستنكرة: اخترتم لي اللوحة التي أرسمها ومن ثم أجبرتني الحياة أن أضعها على جدران صماء...
هلا سمحتم لي الآن باختيار الإطارات؟
وضعوا شريطًا لاصقًا على فمي وجلبوا لي حقيبة ضخمة ومزخرفة، ترددتُ لثوان خوفًا من أن تكون ملغومة، ثم فتحتُها، وجدتُ فيها الكثير من الأقنعة، الحقيقة أنها كانت منوعة جدًا: قناع المدّعي، قناع المنافق، قناع المثالية، قناع المتصابـي، وجه باسم ووجه عابس، قناع المرضي عنه، قناع المتدينة الطاهرة، قناع العالِم بكل الأمور، وأنثى خارقة الجمال.
(حتى لا تقولي بأننا حرمناكِ حرية الاختيار).
حاولتُ أن أختارَ الأكثر إنسانية والأقل ادعاء والأقرب لشخصيتي.
أطلتُ التفكير، فصفعني أحد كلابهم، شعرتُ بارتعاشة كادت تقصمني، جنّ جنوني وكدتُ أنهشه ولكنني كتمتُ غيظي لغرض في نفسي.
هم: لا وقت لدينا، ألا ترينَ عدد الصفوف التي تنتظر؟
أنا: هاكم ثمن القناع واتركوا لي ملامحي.
هم: لا نريد منكِ مالًا، نريد أن نضمن ولاءك لنا.
أنا: ولكننالم نُخلقْ لنطبق مايفرضه الآخرون دون قناعة، وإن كان من بد فلنؤجر عقولنا لمن يستخدمها وتعود عليه بالنفع، أما نحن فقد ضَمِنا أنكم ستدبرون وتديرون شؤوننا نيابة عنا، ولنستفد نحن على الأقل من ريع تأجير الأدمغة!
أؤكد لكم ولهم بأنكم لن تجدوني بين صفوف التقليديين.
لستُ بحاجة إلى ختم مروركم يكفيني أن أنظر إلى مرآتي كل صباح فأسمع صوت ابتسامتي.
فمنذ ولادتي قررتُ أن أكونَ من الخارجين عن القانون، حتى وإن كانت نهايتي خلف القضبان، سأخرج لأخرج مرة أخرى عن القانون.
حتى وإن كان اسمي هو الأول والأوضح في قوائم المطلوبين للإقامة في مستشفيات المجانين فلن أغير مبادئي ولا قناعاتي ولا اهتماماتي.
وللمرة الثانية والثالثة سأبحث عن مساحات شاسعة من الفراغ لأسمع فيها صدى أفكاري الحرة وأبدأ تحقيقها على مهل
ولنْ تمنعوني.
لا تحاصروني وإياكم أن تقيدوني أو أن تَحُدوا من صلاحياتي...
دَعوني أتأملُ الكون والبشر والأشياء والأحداث، فالتأمل بداية الحرية والطريق الأسهل إلى سعادة لونها أبيض.
دعوني أسابق نفسي كخيل اعتادت على القفز والصهيل.
دعوني أشرب نخب الحرية وأقيم حفلات تعارف تجمعني بعصافير من نسلٍ جديد.
دعوني أحلق في فضاءات غريبة عربية وغربية.