أنت هنا

قراءة كتاب الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة

الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة

كتاب " الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة " ، تأليف د. إسماعيل الشطي ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 5

2.1 الرعايا والوافدين

يشكل مجموع المسلمين القاطنين في دار الإسلام الأمة الإسلامية، وهي أمة تستمد هويتها من الدين والعقيدة ولا تستمدها من الأرض أو الرقعة الجغرافية كما هو اليوم، إنما الأرض هي التي تستمد هويتها من القاطنين فوقها وتتغير إلى دار إسلام بمجرد ما تصبح تحت إمرتهم، فحدود دار الإسلام تتبدل وتتغير بناء على حركة الفتح والجهاد، وإذا كان تحديد الفقهاء لمهمة الخليفة (رئيس الدولة) هي إقامة شرع الله والذود عن بيضة المسلمين[8]، فالبيضة لغة واصطلاحا ذات مفهوم اجتماعي أكثر منه جغرافي، وتعني أساسا جماعة المسلمين، ولذا فإن حركة الفتح ومواقع الثغور[9]وموجات استيطان المسلمين هي التي تحدد سيادة الدولة إذا ما أردنا أن نجري مقاربة مع هذا المفهوم، ولا يحتاج المسلم وثيقة رسمية تثبت انتماءه لدار الإسلام، فالتزامه بالحد الأدنى من الإسلام هي وثيقته التي تحفظ له كافة حقوقه على كل أراضي هذه الدار، وانتماؤه للإسلام يضمن له حرمة دمه وأهله وماله ما لم يكن على ذمة قضية ما، كما يضمن له حق التعبير والتجمع والتنقل والتجوال والإقامة وتملك العقار وغيره والتجارة والعمل في مشارق الأرض ومغاربها والتي تدخل ضمن سيطرة دار الإسلام ما لم يكن على خلاف سياسي مع أحد إمارات التغلب، وإذا ما أردنا أن نجري مقاربة لمفهوم المواطنة المعاصر فإن الإسلام وحده لا يكفي لتساوي المراكز القانونية والحقوق والواجبات السياسية بين المسلمين عند فقهاء دار الإسلام، وخاصة بين الحر والعبد والأب وذريته والذكر والأنثى والقرشي وغير القرشي[10].

وقد أختلف الأمر بالنسبة لغير المسلمين بين تسامح وتعصب خلال تاريخ دار الإسلام، فمن الفقهاء من أجاز أن يكون غير المسلم ذميا له ما لبقية المسلمين وعليه ما على بقية المسلمين باستثناء أخذ الجزية[11]، وعليه شهد تاريخ الإسلام تولي غير المسلمين مناصب قيادية عالية[12]، كمنصب الوالي[13]على المسلمين أو كوزير[14]أو مقاتل بالجيش[15]، كما شهد مشاركة المجتمع المسلم والاحتفال بأعيادهم ومناسباتهم[16]، وفي المقابل هناك من الفقهاء من قصر مفهوم الذمي على اليهود والنصارى[17]، ومنهم من قال بمعاملتهم على أساس الحيطة الحذر (طابور خامس)، ولذا سعى لتمييز بيوتهم ولباسهم ومظهرهم عن بقية المسلمين[18]، لذلك يصعب تحديد حقوق وواجبات الذمي في دار الإسلام، فالنصوص والاجتهادات والتراث الفقهي والتجربة والممارسة كلها تتفاوت بين التعصب والتسامح.

ولما كانت علاقات دار الإسلام مع خارجها تقوم على أساس الحرب، لذا ندر وجود رعايا دار الحرب في ديار المسلمين خلال العصور الأولى، ووجود هؤلاء الرعايا في دار الإسلام يدخل ضمن مفهوم الأمان، وتصبح مقاربة مفهوم الأجنبـي بالنظام المعاصر هي أقرب لمفهوم المستأمن في نظام دار الإسلام، ونظام الأمان في الإسلام -كما يقول الشيخ وهبة الزحيلي- يتسع لكل أنواع الحماية والرعاية المعروفة حديثا لشخص الأجنبـي وماله في بلاد الإسلام، وتستمر معه العلاقات غير العدائية حتى وإن كانت الحرب مستعرة مع دار الحرب، وهو يوفر مناخا آمنا أكثر مما يوفره جواز السفر الحالي لأنه أقرب إلى عقد أو معاهدة مع فرد، ويرى جمهور الفقهاء والشيعة الإمامية والزيدية والإباضية أن كل مسلم مكلّف مختار، حتى لو كان عبدا لكافر، أو فاسقاً أو محجوراً عليه، أو امرأة أو معوقاً أو خارجاً على الإمام، يحق لكل أولئك منح الأمان دون إجازة من أحد، ويقتضي هذا الأمان التزام دار الإسلام بتوفير الأمن والطمأنينة للمستأمن (شخصا أو جماعة أو أهل بلدة أو حصن أو إقليم أو قطر)، فيحرم حينئذ القتل والسبـي والاستغنام للرجال والنساء والذراري والأموال، وكذلك يحرم الاسترقاق ولا يجوز ضرب الجزية على المستأمن، لأن فعل ذلك من الغدر، ويحق للمستأمن ممارسة الأعمال التجارية والتملك في حدود الشرع، ويحظر عليه شراء الأسلحة والعبيد وتعاطي الربا، كما يحق له الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة التي توفرها دار الإسلام لرعاياها، ويحق له التقاضي أمام المحاكم، كما لا يعذر المستأمن جهله بقوانين وأحكام دار الإسلام إذا ما أخطأ، ويلتزم المستأمن باحترام عقائد المسلمين والامتناع عن كل ما يشعر بإهانتهم، ولقد تفاوت التطبيق في دار الإسلام بين تضييق وتراخ، حتى وصل التراخي إبان الدولة العثمانية أن منحهم السلطان سليمان القانوني أمانا تحت بند الامتيازات الأجنبية جعلت الأجانب فوق سلطة القانون[19].

الصفحات