أنت هنا

قراءة كتاب الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة

الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة

كتاب " الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة " ، تأليف د. إسماعيل الشطي ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 10

1.2 التطور التاريخي

خلال القرون الأربعة الأخيرة تطور العالم المسيحي في الغرب ولم يعد يضع حسابا كبيرا للسلطة الدينية المركزية في روما، وأدت حروب التنافس والأطماع في أوروبا إلى صلح وستفاليا 1648م، والذي أرسى مفهوما سياسيا جديدا يقوم على مبدأ سيادة الدول، وهو مبدأ قاد إلى نشوء ممالك ذات نـزعة قومية انتهت ببروز فكرة الدولة/القوم وبداية التنافس الاستعماري بينها، وصاحب كل ذلك تحرير العقل الغربـي من أغلال السلطة الكنسية وبزوغ عصر التنوير والنهضة الفكرية والعلمية، واستبدل الغرب في حربه مع الشرق الإسلامي فكرة دار الحرب بمشروع الاستعمار، وهو مشروع بدأ باحتلال الأراضي ونهب الثروات وإقامة مستوطنات خارج أوروبا وانتهى بإعادة شاملة لصياغة الشعوب ولتكوين الأفراد ولرسم الخريطة السياسية بما يضمن الهيمنة الغربية على العالم، وقد جاء هذا المشروع في وقت انتهى به حال المسلمين إلى ارتهان مطلق لآليات بالية لصناعة المعرفة، والركون الاستسلامي إلى التراث المتراكم، والانـزياح التدريجي عن روح القرآن ومبادئه الحيوية المتوقدة، لقد خاض الغرب معركته الأخيرة مع دار الإسلام مسلحا بتفوقه العسكري ودهائه السياسي وتقدمه الحضاري ونظامه المعرفي المبهر، واتضح عجز الخلافة عن حماية بيضة المسلمين عام 1830م عندما احتلت فرنسا الجزائر، وتلاها احتلال بريطانيا لعدن ومصر عامي 1839 م و1882م، وحسمت نتيجة الصراع بين دار الإسلام والمشروع الاستعماري (دار الحرب سابقا) لصالح الغرب، ولم يتبق على إعلان الهزيمة سوى تسوية الخلافات والنـزاعات الغربية والتي بدأت محاولاتها عقب نهاية الحروب النابليونية، حيث حاولت القوى الأوروبية العظمى إقامة نوع من التوازن بينها في محاولة لتجنب الحرب، كما شهدت هذه الفترة بوادر نشوء القانون الدولي وذلك بتوقيع اتفاقية جنيف التي نصّت على بضعة قواعد تتعلق بالإغاثة الإنسانية أثناء الحروب، وباتفاقيات لاهاي من عاميّ 1899 و1907 التي وضعت بضعة قواعد وقوانين تحكم سير الحروب، وتحدثت عن التسوية السلمية للمنازعات الدولية، ولعل أبرز المحاولات لوضع تصور موحد للدول الإستعمارية من أجل اقتسام الغنائم بالعالم هو المؤتمر الذي عقد في لندن عام 1905 واستمرت جلساته حتى 1907، وذلك بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين، وهدف هذا المؤتمر إلى إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول أمد ممكن، وقد تقدمت حكومة حزب الأحرار البريطاني في ذلك الوقت بمشروع مقترح حول تلك الآلية، وضم المؤتمر الدول الاستعمارية في ذاك الوقت وهي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، اسبانيا، إيطاليا، وخرج المؤتمر في نهايته بوثيقة سرية سميت "وثيقة كامبل"[45]نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان، وتوصل المؤتمرون إلى نتيجة مفادها: "أن البحر المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار، لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات". والمشكلة في هذا الشريان كما هو مذكور بالوثيقة" أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان"، وتقصد الوثيقة بذلك الشعب العربـي، وأبرز ما جاء في توصيات هذا المؤتمر هو إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة ومتأخرة.

كما أدت الجهود التنسيقية لوقف الإقتتال - بين الدول الإستعمارية حول اقتسام الغنائم - إلى قيام منظمة السلام الدولية عام 1914والتي كانت بمثابة اتحاد برلماني دولي، حيث كان ثلث أعضائها يمثلون الدول البرلمانية الأربع والعشرين القائمة في ذلك الزمن، وكانت أهداف هذه المنظمة تتلخص في تشجيع الحكومات على حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية، بما فيها التحكيم، غير أن ذلك لم يمنع نشوب حرب - بين الدول الأوروبية - هي الأولى من نوعها، ففي الحرب العالمية الأولى تم لأول مرة تكريس المصانع ومنتجاتها لصالح الجيوش، وتسببت في مصرع أكثر من ثمانية ملايين ونصف مليون جندي، وحوالي 21 مليون جريح، ومقتل ما يقرب من 10 ملايين مدني، بعد أن وضعت الحرب أوزارها في شهر نوفمبر من سنة 1918، تبيّن مدى جسامة الأضرار التي لحقت بأوروبا سواءً على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي، فبرز تيّار مناوئ للحروب بعامّة حول العالم، ويرى أن هناك عدّة أسباب يجب معالجتها كي لا تُجرّ الدول إلى قتال بعضها البعض مجددًا، ومن هذه الأسباب: سباق التسلّح، التحالفات الدبلوماسية السريّة، وحريّة الدول ذات السيادة بالدخول في أي حرب طالما أنها ترى في ذلك تحقيقًا لمصالحها، رأى أتباع هذا التيّار أن معالجة هذه الأسباب تكمن في إنشاء منظمة دولية تهدف إلى منع قيام حروب مستقبلية عبر نـزع السلاح، والدبلوماسية المفتوحة، والتعاون الدولي، تقييد حق الدول في إعلان الحرب، وتوقيع عقوبات صارمة على الدولة التي تقدم على إعلان الحرب، الأمر الذي يجعل من الأخيرة منفرة بالنسبة للأمم المختلفة، ومن هنا جاءت فكرة عصبة الأمم التي تم الإتفاق عليها في مؤتمر باريس للسلام، والذي رفضت الولايات المتحدة الأمريكية التصديق على ميثاقها أو الانضمام لها، حيث رأت أن النظام التأسيسي للعصبة محاولة من الدول الأوروبية الاستعمارية الكبرى للاستئثار بغنائم الحرب العالمية الأولى، وهو ما تحقق فيما بعد حيث أنتهى مؤتمر السلام بباريس إلى معاهدة فرساي[46]واتفاقية سايكس بيكو، تلك التي أودت بتقسيم دار الإسلام إلى كيانات سياسية، إما ذات صبغة قومية أو صبغة جغرافية كما جاء في معاهدة فرساي واتفاقية سايكس بيكو[47]، كما تم تفتيت أمة الإسلام إلى قوميات وإثنيات وشعوب داخل هذه الكيانات الجديدة، بالنهج الذي مهد له مؤتمر كامبل بلندن بين الدول الغربية الإستعمارية.

ولقد ثبت فيما بعد أن نهج الإستئثار إدى إلى أزمة إقتصادية عالمية عرفت بـ"أزمة الثلاثينات"، وكان أبرز ملامحها التفاوت الاقتصادي الكبير بين الأنظمة الديمقراطيّة (فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية)، والتي كانت تحتكر بمفردها 80% من الرصيد العالمي للذهب وتملك إمبراطوريّات استعماريّة ومناطق نفوذ شاسعة، وبين الأنظمة الدكتاتورية (إيطاليا، ألمانيا، اليابان) التي اعتبرت نفسها دولاً فقيرة وطالبت بإعادة تقسيم المستعمرات لضمان ما أسمته بالمجال الحيوي؛ وهو الأمر الذي أدى إلى تضارب المصالح وتزايد حدّة التوتّر في العلاقات الغربية وشكّل تهديدًا مباشرًا للسلام الأوروبـي، ولقد أدى التنافس - على القوة والتسلح والهيمنة والإستعمار - إلى فشل العصبة بسبب إنحيازها للكبار، حيث علق الدكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني قائلا "أن العصبة لا تتصرف إلا عندما تسمع العصافير تصرخ من الألم، أما عندما ترى العقبان تسقط صريعةً، فلا تحرّك ساكنًا"، وقاد هذا الفشل أوروبا من جديد إلى حرب عالمية ثانية تعد من أكبر الحروب الشمولية وأكثرها كُلفة في تاريخ البشرية، وذلك لاتساع بقعة الحرب وتعدّد مسارح المعارك والجبهات، شارك فيها أكثر من 100 مليون جندي، فكانت أطراف النـزاع دولاً عديدة والخسائر في الأرواح بالغة، وقد أزهقت الحرب العالمية الثانية زهاء 61 مليون نفس بشريةٍ بين عسكري ومدني، أي ما يعادل 2% من تعداد سكان العالم في تلك الفترة، فضلا عن ملايين اللاجئين المشردين الذين دمرت الحرب مدنهم بالكامل، وانهار الاقتصاد الأوروبـي ودمر 70% من البنية التحتية الصناعية لدوله المتحاربة، ولكن على عكس ما حدث في الحرب العالمية الأولى، فإن المنتصرين في المعسكر الغربـي لم يطالبوا بتعويضات من الأمم المهزومة، بل تصدت الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة ترتيب الوضع الدولي بصفتها دولة غير استعمارية، فقد أعلن وزير خارجيتها جورج مارشال "برنامج التعافي الأوروبي" والمشهور بمشروع مارشال، وطلب من الكونجرس الأمريكي أن يوظف مليار دولار لإعادة إعمار أوروبا، وذلك كجزء من الجهود لإعادة بناء الرأسمالية العالمية ولإطلاق عملية البناء لفترة ما بعد الحرب، وطبّق نظام بريتون وودز الاقتصادي[48]بعد الحرب، إذ يقوم هذا النظام النقدي الجديد على أساس «قاعدة الصرف بالدولار الذهبي» وعلى أساس «مقياس التبادل الذهبي»، وبذلك تحوّل الدولار الأمريكي من عملة محلية أمريكية إلى عملة احتياط دولية ربطت عملات دول العالم بها، مما أدى إلى سيطرة الدول المنتصرة فعليا على الشعوب الأخرى المنهزمة منها والضعيفة، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت حذرة من هذا الإنتصار في ظل بداية حرب جديدة وباردة بين الشيوعية والرأسمالية، فكان هدفها من الإصلاحات بأوروبا هو كسب دعم الدول الأوربية للقطب الغربـي ومساهمتها في منع انتشار الشيوعية بأوروبا، وجاء حماسها لإنهاء النهج الإستعماري بسبب خوفها من احتواء الشيوعية حركات التحرر الشعبية من الإستعمار، خاصة بعد اكتشاف الغرب أن الشعوب المنبثقة من الأمة الإسلامية عصية وتتمتع بعدم قابليتها للاستعمار، إذ أخذ كل شعب جديد ضمن الكيانات الجديدة يسعى للاستقلال والتخلص من الاستعمار.

وما كانت الدول الإستعمارية لتقبل سريعا بهذا النهج لولا فلسفة الدبلوماسية التي جاءت بها فكرة عصبة الأمم لتحل محل الجيوش في مناطق النفوذ والمصالح، فقد اختار الغربيون حروب الدبلوماسية والجاسوسية بدلا من الحروب العسكرية للحفاظ على المكتسبات الإستعمارية السابقة، وتعتبر هذه الفلسفة نقلة نوعيّة في الفكر السياسي الإستعماري الذي كان سائدًا في أوروبا طيلة السنوات المائة السابقة، والتي طبقتها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال إنشاء هيئة الأمم المتحدة بمؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945م.

لقد حافظت هيئة الأمم المتحدة على جوهر فكرة عصبة الأمم الهادفة إلى هيمنة الغرب على العالم، مستخدمة القانون تارة، والدبلوماسية تارة، والأمر الواقع تارة أخرى، وتم ذلك من خلال إيجاد نظام دولي موحد يضم كل دول العالم ويحافظ على مصالح الدول الخمس الكبرى، خاصة بعد أن دخل عامل امتلاك وتطوير السلاح النووي حلبة المنافسة بين الكبار ليشكل حالة أطلق عليها "توازن الرعب"، ورغم أن أولى كلمات وثيقة الأمم المتحدة تنص على حفظ السلم والأمن الدوليين إلا أن المقصود بذلك هو السلم والأمن بين الكبار، حيث حفل نصف القرن الماضي بسلسلة من الحروب الدامية بين مختلف دول العالم باستثناء الدول الكبرى، وجاء النظام الدولي بديلا معدّلاً للنظام الاستعماري ومحافظا على مصالح ونفوذ الدول الكبرى بشكل لا يستفز الشعوب الممانعة لظاهرة الاستعمار، كالتالي:

أولا: اعتبار الدولة/القوم الوحدة الأساسية التي تشكل البنية الهيكلية للنظام الدولي، أما المنظمة المتشكلة من تلك الدول والحاضنة لها فهي هيئة الأمم المتحدة.

ثانيا: توحيد نمطية الدولة/القوم لكي تصبح الوحدة الأساسية متماثلة، ولا يتم الاعتراف دوليا بأي كيان سياسي وقبول عضويته في النظام الدولي ما لم يلتزم بالمعايير النمطية.

ثالثا: تقع مسؤولية السلم والأمن الدوليين على مجلس الأمن طبقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو أهم أجهزة الأمم المتحدة وله سلطة قانونية على حكومات الدول الأعضاء لذلك تعتبر قراراته ملزمة للدول الأعضاء (المادة الرابعة من الميثاق)، ويتكون المجلس من 15 عضوا.

رابعا: منحت الدول المنتصرة بالحرب العالمية الثانية، وهي: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي وانجلترا وفرنسا العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وأضيف لهم الصين[49]، كما منحت هذه الدول الخمس حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار لا توافق عليه أي واحدة منهم، وأصبحت هذه الدول الخمس دولا عظمى تتحكم في مصير الصراعات والحروب والأزمات السياسية والاقتصادية.

الصفحات