كتاب " الموروث وصناعة الرواية " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب الموروث وصناعة الرواية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وللمكان قيمته في تشكيل الهوية في النص، عبر ترسيخ شبكة من التناقضات التي تحملها الشخصية الرئيسة (نجوى)، فهو عامل يضاف إلى دور تلك التناقضات في تشكيل شخصيتها بوصفه بطلة الرواية. تبدو (نجوى) الشرق غنية جدًا تعيش في أسرة لديها ست خادمات، وهي غير ملتزمة بالشعائر الدينية، وتستلهم ثقافتها من المجلات الأمريكية وأفلام السينما، أما (نجوى) الغرب فهي فقيرة معدمة وحيدة متدينة تعتمد في قراءاتها على القرآن الكريم والمحاضرات الدينية. تنطلق أزمة الهوية في الرواية منذ اللحظة التي أشارت (نجوى) فيها الى موقف الرئيس السوداني الذي يتصل هاتفيًا لترد عليه (نجوى) بلغة انجليزية فيبادرها بطلبه أن تتكلم العربية، لتتناثر شظايا تتصل بأهمية اللغة الأم ودور اللغة الأخرى في جزئيات عدة من العمل.
وتحفل الرواية بعدد كبير من الإشارات الإسلامية المعتادة للقارئ في الشرق، لكنها تبدو عالمًا مختلفًا للقارئ الغربي، ولا سيما انعكاساتها على الفرد والمجتمع في مدينة متعددة الأطياف مثل مدينة (لندن). يمثل الحج والحجاب وصوم رمضان وقصص عيسى والمهدي إشارات تستلهمها الروائية في رشاقة ومهارة، ويمثل الحجاب الإسلامي علامة مهمة من علامات النص إذ تظهر على صفحة الغلاف صورة امرأة موثقة غطاء رأسها بإحدى يديها، وتمد جانبًا منه ليشمل صورة رجل قادم يتمثل في صورة (تامر) الذي تعلق بها لكونها ترتدي الحجاب. وتبدو في الخلف ملامح حي ترأسه قبة مسجد، لتكون علامة تحول في حياة (نجوى)، لهذا يحظى الحجاب بجانب غير يسير في النص حيث انخراط الشخصية الرئيسة (نجوى) في الحديث عنه وعلاقتها به، بدءًا بالتركيز على طريقة لبس نساء حزب الله لغطاء الرأس،19 أو من خلال التركيز على محاولاتها لبس الحجاب كما يظهر في القسم الأخير من الرواية التي تتضمن ستة وثلاثين فصلًا في خمسة أقسام رئيسة، وأخيرًا يبدو التأمل في الشخصيات المحيطة بها ولاسيما في الشرق أمرًا فاعلًا؛ إذ يبدو الحجاب كما تصوره الرواية بالنسبة لـ (نجوى) أمرًا غريبًا حينما كانت في السودان، لقد كانت تتأمل أولئك الفتيات اللاتي يؤدين الصلاة في الجامعة، وهن يرتدين الحجاب.20 إن علاقة (نجوى) بالحجاب مستمدة من علاقة الروائية (ليلى) بالحجاب التي أشارت اليها في لقاء صحفي في ملحق جريدة (الجارديان) البريطانية،21 فهي تكشف عن أن إيمانها يعني شيئًا شخصيًا خاصًا بها، لديها منظورها الخاص للدين الذي لا يتصل بعمل المرأة أو طريقة لباس معينة لها فحسب، لكنه يتصدى للعمل مع الجانب الإيماني بصورة أكثر فاعلية، وهي على الرغم من كونها تعلمت في مدرسة أميركية في السودان فقد كانت ترغب في ارتداء الحجاب، ولكنها لم تجد التشجيع المناسب، وبانتقالها إلى لندن وشعورها بالحرية ارتدت الحجاب عام 1989، لذلك فهي توافق على أن المزيد من الحرية للمرأة المسلمة قد يمنحها مزيدًا من التدين، ذلك أنه لا يمكنك أن تمارس كل ما ترغبه. كما يمثل الحج ثيمة دينية رئيسة في الرواية، إذ تشاهده (نجوى) برؤية أعمق في منزل مخدوميها على إحدى قنوات (التلفزة) فتتمنى أن تكون معهم.
أما خاتمة الرواية فتعطي تلك البواكير بالرحيل لأداء فريضة الحج ما يرمز الى استكمال كافة الشعائر الدينية لديها، إذ يقرر (تامر) أنه على الرغم من تنقله بين أكثر من موقع في العالم، مثل عمان والقاهرة ولندن، وعلى الرغم من كون تعليمه غربيًا وانجليزيته أقوى من لغته العربية، فإن هويته الأساسية هي كونه مسلمًا،22 ويبدو هذا الرأي متسقًا مع بعض الآراء التي ترد على الروائية، حين ترى الهوية الدينية لديها مقدمة على الهوية الوطنية، لأنها تتعايش مع الدين في كل مكان، إذ يمكن العيش في أي مكان، أما الدين فيعني شيئًا شديد الخصوصية للإنسان. ويمكن أن نصل إلى كون الرواية العربية قد أضحت ذلك الجنس الأدبي الأكثر ملاءمة لحمل أسئلة الهوية وإشكالاتها والقادر على تمثيلها بالصورة الأنسب، كانت الرواية جنسًا يعاني من قلة الإقبال عليه إذ كانت جنسًا أدبيًا غير مقبول، وقد تمثل ذلك حين اتخذت بعض الأقلام موقف الرفض منها مع بدء انتشارها عربيًا.23 لكن هذه المعادلة قد اختلفت، حين جسدت الرواية مفهوم الجنس الأدبي القادر على استيعاب مرحلة جديدة وتسمح بتمثيلات الهوية بالصورة التي لا تستوعبها الأجناس الأدبية الأخرى.