أنت هنا

قراءة كتاب سورة الرياض

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سورة الرياض

سورة الرياض

رواية " سورة الرياض " ، تأليف أحمد الواصل ، والتي صدرت عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من اج

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 2

1- إبراهيم

.. لم يكُنْ في السقف شجرة، فمن أين انطرح أمامي بغتةً كتُفَّاحةٍ معلَّقة هزَّتها رياحٌ عابرة لهذه الصحراء، وهي تضيق بمصيرها بين السماء والأرض.

.. الثمار شحيحةٌ تلك النابتة تحملها السيقان النحيلة فوق الصحراء. نعم، نحيلةٌ وقصيرةٌ تلك السيقان كما أنها لا تكاد أن تنوء برفع وريقات خضْرَاء شهباء وسميكة عروقها تنبض بطيئةً بسوائل لزِجَةٍ سيحفل بها ظمأ الماشية، لكنه واقف بجانبـي ينتظر دوْرَه كتُفَّاحَةٍ خَضْراء ندية ولامعة أريد أن ألتقطها من سجادة الرمل.

.. أتخيَّل نبضها براحتيَّ حين لم يطْرَأ عليَّ زمُّ شفتيَّ صوبها لقضمها، بل انشغلت بغتة بحريق من كوب القهوة الذي حملته من النادل لأتنحَّى صوب السكَّر والحليب. انتقل من جانبـي بحذر لحظة أن بدَّلْنا أمكنة وقوفنا لأنه سيلي دَوْري. رميْتُ كلمات قليلة ومبعثرة، لعل تمكُّني من سرعتها جعلها تحْمِل معنى سؤال فضولي بالطبع ولا شك. فقد كنتُ أشعر بوحشة المكان أقوى من غرابة الناس وتنوع الأجناس نساء ورجالاً بألوان جلودهم وملابسهم التي وضعتني في حيرة لا تجعلني أثق بمعرفتي الجيدة بأكثر زبائني المألوفين في المحل. هنا ليس كمثل محلنا في شارع إبليس، شارع عبد الله الحمدان الطويل والمتعرِّج في العُليَّا الذي أعرف جيراني فيه، ولا كمثل جناح مَعْرض في مجمع أسواق موسمية يشغلني الزحام عن حديث عابر مع أي جار..، بل هنا عرض خاص لبضائع عديدة وعادية بأسعار نوهم أنها معتدلة ومخفضة أيضاً. كان لا بد من التخلُّص منها قبل حلول موسم آخر يطلب سواها.

.. ربما كان هروبـي من تلك الوحشة في يومي الأول لم يكن يأمل بهكذا ألفة عميقة معه فقد رحْتُ بعيداً في عينيه الودودتَيْن، وأصابع كفَّيه الدقيقة الرسم، لكنها طويلة ورقيقة تضعني مصافحتهما أو لمسهما العابر في حالة تخضُّني كأنما تدفع جسدي نحوه، فأحاول مراراً ألا أجعله يمضي متهوراً صوب تركي حيث لحظت اسمه من بطاقته المعلَّقة بجيبه الأمامي، ولكي لا أجعله يشعر بتلك الخضَّات الدافئة كلما رأيتُه أختلق صدفة لأجلس معه وقت الفطور حين يأخذ قهوته حاملاً جريدته. إذ لم أعرض عليه الغداء سوياً غير محاولة مخفقة لأتخفَّفَ من تلك الحرائق التي تنجزها أشعة تنطلق من هالة جسده الأخضر صوب مسامي واحدة تلو الأخرى وتنغرس طفيفاً في الفراغات بين كل واحدة وأخرى، لكنها تلْتجُّ عندما أعود في المساء ختاماً ليوم مزحوم إلى بيتنا، فأستلقي على كنبتي مسترخياً ومستمهلاً ذلك النوم، فأطلق في فضاء الغرفة عيني اللتين تجهدان قليلاً بإطباق متكرِّر لجفنيَّ. علَّني أستعيد صورته كلها بذلك الجسد الأخضر الذي تكاد تنفلت ذراعاي نحوه، وبتلك العينين السخيَّتَيْن بخجَلٍ يداري خوفاً وقلقاً شفيفاً، ليوحي بأن تجربة ذراعين سابقين أخفقا تماماً بجعلهما تنعمان بالإغماض في حضن صاحبهما.

الصفحات