كتاب "بائع التماثيل" للكاتب والفنان التشكيلي السوري فاتح المدرس، يحوي مجموعة قصص، نقرأ من قصة "بائع التماثيل" التي حمل الكتاب عنوانها: ""كور تسفاتس بوكريا أخشيكمه" بهذا كان ينادي لبيع تماثيله الملونة الصغيرة؛ فالبارون أرتين عجوز أرمني فقد كل شيء خلال هجرته
أنت هنا
قراءة كتاب بائع التماثيل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
خيرو العوج
الدرب إلى ضيعة "عين دقنة" يبدأ من "كفر أنطون" عبر الترابة القانية, تراب أخذ من الدم لونه وذاك ما امتازت به سهول الشمال المشرقة الوضاءة التي تمتد أميالاً حتى تتفانى عند أقدام طوروس وكاورضاغ, تلك العمالقة الزرق من الجبال المتاخمة للحدود الشمالية لسوريا. جبال تأخذ لون البنفسج كلما اقتربت من معالمها الشامخة, جبال كأنها جدران لوحة خارقة البعد ذات شفق دائم رطب غارق في ضباب خفيف.
وعلى المنحدرات القريبة تتكوم ظلال كروم التين والزيتون والعنب, وعلى سفوح "مشعلة" تبرز أكتاف عارية وردية لانهدامات بعيدة الغور في التاريخ, حتى إذا ارتفعت بك الأرض شاهدت ظلمات كفر جنة الزرقاء, ومن الغرب تقف بيوت "عاشق كبار" عالية وربما خامرك شك في أن هذه الأرض كانت فعلاً جنة صغيرة تمتد متعرجة الخضرة على حواشي فردوس يقع في مكان ما حول الجبل الأقرع, وتطالعك بين سطور الأرض المفلوحة قصة.
فأنت تقرأ في كتاب أسطوري مصور, هنا كانت ضيعة كبيرة فانطمست إثر حرب ما فأسست تلاً, فانظر ما أكثر التلال تقوم وكأنها قباب فئران الأرض, وإذا ما فحصت الأرض بقدميك كما تفضل الطيور البرية ظهرت لك النقود العربية التي وزعها أبو عبيدة الجراح على جنوده قبل المعركة أو بعدها لا أدري. وتلك التي تبدو أكبر حجماً ربما كانت لجنود سلوقس. والمتآكلة الحواشي ربما دفنتها جماعة من المحاربين اليونان الذين رافقوا الاسكندر المقدوني, فهذه السهول الحمراء كانت ملاعب لجبابرة التاريخ الدامي, راح ضحيتها آلاف الفلاحين والفلاحات.. هنا سلبت مواشيهم, وهنالك انتهكت أعراضهم, وعلى هذه التلة أحرقت جثث الأعداء من الأهالي.. حروب ذهب ضحيتها أهل الأرض أما المحارب فقد انتصر ومضى في غيهب التاريخ الكريه..
وفي صدر أم "خيرو" تنشب, معركة أشد ضراوة من حروب الأيام الخوالي, فكان فائق آغا يصول ويجول في خاطرها ويفتك كالذئب بجثة على قارعة الطريق, جثة ابنها "خيرو" وإن ابنها على الرغم من جنونه يحاول أن يطيب خاطر أمه بعينيه الفارغتين..
وضعت العجوز يدها على صدرها, فتساقطت أحلامها تساقط حفنات التراب فوق قبر, ورأت أن منديلاً ضخماً بدأ ينسحب فوق وهاد تل إعزاز وسفوح "مشعلة" وأن الفجر بعيد بعد, وهي وحدها تضرب في البرية تفتش عن عزيز غاب في دهليز مفزع.