كتاب "بائع التماثيل" للكاتب والفنان التشكيلي السوري فاتح المدرس، يحوي مجموعة قصص، نقرأ من قصة "بائع التماثيل" التي حمل الكتاب عنوانها: ""كور تسفاتس بوكريا أخشيكمه" بهذا كان ينادي لبيع تماثيله الملونة الصغيرة؛ فالبارون أرتين عجوز أرمني فقد كل شيء خلال هجرته
أنت هنا
قراءة كتاب بائع التماثيل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
رفعت أم خيرو يدها عن صدرها فهبت ريح أول كانون باردة عليها,
وتغلغلت في عظامها وهي فريدة في هذه البرية, فأصلحت غطاء رأسها ثم نفضت ما علق بحدوتها من طين وشوك, ومشت وفي صماغ أذنيها رنين مدغوم بأنه طبل عميق الصدى, مدغوم بصراخ قديم, فزفرت في هواء الفجر البارد وفي عينيها غبش ومسحة من دمعة دائمة. وعلى أقصى الدرب كانت نقطة كبيرة تتحرك, مقبلة نحوها, فحثت خطاها نحو الدرب حتى إذا وضع أمام عينيها عرفت فيه "الجرجي حمدلي" فبادرها بالسلامو عليكم.. ـ وعليكم السلام يا عم حمدلي, دخيلك شفت اللّي العوج؟ جنب زيارة الشيخ صدفة.
وضاعت بقية العبارة في الريح عندما ابتعد عابر السبيل يحدث حماره بأن الله وحده هو جبار المصايب..
وعاد السكون المعتم يحير الفضاء أمام عيني أم خيرو وهي تضرب في الأرض الحمراء بقدميها تحكي قصتها لنفسها من جديد.
ولكن حتى القطا على جنبات الدرب كان يشاهد أم خيرو في مثل هذه الساعة وهي تبحث عن شيء مفزع يمشي كالخيال بين عيدان الذرة المحصودة, على اثنتين وأحياناً على أربع, فلم تحرك ساكناً, وكذلك الحجل لم يشأ أن يثب أمامها.
ـ ولعل طيور التوتي ذات الأعراف, تعرف.. تعرف.
قالت العجوز ذلك بسرها, وأخذ وجهها شكلاً كالأرض المفلوحة.
ـ "وإن طيور التوتي لم تتوت بعد".
قالتها بسرها أيضاً: "ولعلها تطير الآن لقد أقبل الشتاء".
وهز العجوز برد فاجأ عظامها, وتحركت بومة على صخرة قريبة ثم جمدت, وعندما انحنت العجوز لتلتقط حصوة طارت وحطت على صخرة أبعد, وبرز "مزار الولي" (صدفة) على يمين الدرب كأنه كومة عظيمة من الحجارة لولا بقايا قائمة من القبة.