أنت هنا

قراءة كتاب السعادة الزوجية وبوليكوشكا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السعادة الزوجية وبوليكوشكا

السعادة الزوجية وبوليكوشكا

الروايتان " السعادة الزوجية وبوليكوشكا " ، تأليف ليو تولستوي ، اصدار

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

- 2 -

لا أدري لماذا عرفت أنني معه لا أستطيع أن أرفض، ولا أن أمهِّد للعزف بكلام عن ضعفي في العزف. فما هي إلا لحظة حتى جلست الى البيانو طائعة، وأخذت أعزف كما أستطيع أن أعزف، على تهيبي حكمه وخوفي من رأيه، لأنني كنت أعرف أنه يهوى الموسيقى وأنه في شؤونها عليم. ولقد كان اللحن المتمهّل يناسب ما كنت فيه من حالة استيقاظ الذكريات على أثر الحديث الذي جرى بيننا منذ هنيهة. وأظن أن عزفي لم يكن سيئاً. ولكنه لم يدع لي أن أعزف اللحن السريع (الشيرزو). وانما قال وهو يقترب مني:

- لا، هذا لن تجيدي عزفه. فاتركيه. أما في القسم الأول فقد عزفت عزفاً لا بأس به. يبدو أنك تفهمين الموسيقى.

أبهجني هذا الثناء المعتدل بهجة عظيمة، حتى لقد تخضب وجهي بحمرة شديدة. إنه لشيء جديد عليّ وممتع لي أن أرى صديقاً في منزلة أبي يكلمني بمثل هذا الجد فرداً لفرد لا رجلاً لطفل كما كان يفعل من قبل. وكانت كاتيا قد صعدت بصونيا لترقدها في فراشها، فبقينا نحن الاثنان في الصالون.

حدثني عن أبي، فذكر لي كيف انعقدت بينهما أواصر الصداقة، ووصف لي الحياة السعيدة التي عرفاها في الماضي حين كنت لا أزال مشغولة بكتبي ولعبي. فبدا لي أبي في قصصه، لأول مرة، انساناً بسيطاً جذاباً، كما لم أكن أعرفه حتى ذلك الحين. وسألني سرغي ميخائيلوفتش أيضاً عن ميولي، وعمَّا أقرأ، وعن كل ما أنتوي أن أفعل، وأسدى إليَّ بنصائح. فأصبحت لا أرى فيه النديم المرح والمازح الفكه الذي كان يغيظني ويخترع لي ألعاباً، وإنما أرى فيه رجلاً رصيناً بسيطاً ودوداً أضمر له الاحترام والمحبة من تلقاء نفسي بلا تصنّع. وصرت إذا كلمته أحسّ بسهولة وأشعر بمسرّة، ولكنني أحس رغم إرادتي بنوع من التوتر، حتى لأرتعش لكل كلمة أقولها، إذ كنت أرغب رغبة قوية في أن أستحق بنفسي هذه العاطفة التي لا يهبها لي إلا لأنني ابنة أبي.

وعادت إلينا كاتيا بعد أن أرقدت صونيا، فشكت الى سرغي ميخائيلوفتش ما كنت أعانيه من خدر الإحساس وخمول العاطفة، وذلك ما لم أحدِّثه عنه أنا بكلمة واحدة. فقال مبتسماً، وهو يهز رأسه لائماً:

- أخفت عني الشيء الأساسي.

فقلت أجيبه:

- ما عسى يمكنني أن أقول؟ ذلك كله يبعث على الضجر، ولسوف يزول وينقضي على كل حال.

(والحق أنني كنت قد أحسست منذ ذلك الحين بأن قلقي زال وانقضى، بل أحسست بأنه ما وجد في يوم من الأيام!).

قال سرغي ميخائيلوفتش:

- ليس حسناً أن لا يعرف المرء كيف يتحمل العزلة. أأنت فتاة في مقتبل العمر؟

فقلت ضاحكة:طبعاً!

- بل أنت إنسانة سيئة لا تحيا إلا إذا أحيطت بالإعجاب. فمتى رأيت نفسك وحيدة استسلمت لأفكار سود، فإذاً أنت لا ترضين عن شيء لأنك تريدين كل شيء للظهور ولا تبغين لنفسك أنت شيئاً.

قلت لأقول شيئاً ما:

- ما أجمل ما تراه فيَّ من رأي!

فقال بعد صمت:

- لا، ليس عبثاً أنك تشبهين أباك. هناك ما يسوِّغ هذا الشبه.

الصفحات