أنت هنا

قراءة كتاب شخصي جداً - الجنس في حياتنا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شخصي جداً - الجنس في حياتنا

شخصي جداً - الجنس في حياتنا

كتاب " شخصي جداً - الجنس في حياتنا " ، تأليف د.

تقييمك:
3.75
Average: 3.8 (8 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

يصوِّر الحوار السابق، من فيلم ‘‘الأسد الملك’’[1] (The Lion King)، كيف استطاع العمُّ الشرِّير سكار أن يغويَ ابن أخيه (وارث العرش القادم) سيمبا بالذهاب إلى مقبرة الفِيَلة وذلك بالتلميح والترهيب، وليس هو في واقع الأمر إلاَّ ترغيبًا. إنَّنا نتعاطى في مجتماعاتنا الشرقيَّة بشأن الجنس بهذه الطريقة. فالجنس عندنا ‘‘مقبرة الفِيَلة’’ المكان الخَطِر الذي يقع خلف الهضبة عند الحدود الشماليَّة. إنَّه أمرٌ من الأمور التي لا نتكلَّم بشأنها، وإن تكلَّمنا، فإنَّنا نقول ما مفاده إنَّ الجنس حرامٌ أو خطير، أو إنَّنا نربط بينه وبين الزنا والنجاسة وكلِّ ما هو محرَّمٌ ومنبوذ. فإمَّا أنَّنا لا نتكلَّم بشأن الجنس؛ أو نتكلَّم بشأنه بصورةٍ سلبيَّة، كما فعل والد سيمبا الذي لم يُخبره شيئًا بشأن ما وراء الهضبة، وإنَّما أمره بعدم الذهاب إلى هناك فحسب- فإنَّ ‘‘مقبرة الفِيَلة’’ هذه تصبح أكثر الأماكن إثارةً بالنسبة إلى الأطفال والمراهقين. وتصيرُ تلك الإثارة الخفيَّة رغبةً شديدةً في داخل أولئك الأطفال والمراهقين ليتعرَّفوا بالجنس ويختبروه لإشباع تلك الرغبة وإثبات أنَّهم أشجع الشجعان.

إن كانت هذه هي مشكلة مجتمعاتنا الشرقيَّة، فعلى الجانب الآخر نجد أنَّ المجتمعاتِ الغربيَّة، لا سيَّما في عصر ما بعد الثورة الجنسيَّة، تتكلَّم بشأن ‘‘مقبرة الفِيَلة’’ كما لو كانت مكانًا عاديًّا، كما أنَّها تتجاهل أهمِّيَّة الجنس وخطورة التعاطي به دون حذرٍ أو إجلال، فتكون العواقب وخيمةً مدمِّرةً أيضًا.

لقد وصفت هيلين دويتش (Helene Deutsch) السلوك الجنسيَّ في بعض فئات المراهقين في الولايات المتَّحدة خلال عقد السبعينيَّات من القرن العشرين بقولها:

لقدِ انطلق هؤلاء المراهقون في دروب ‘‘الثورة الجنسيَّة’’ متحدِّين بها المجتمع، فأطلقوا للغزيرة العِنان وطرحوا جانبًا العناصر العاطفيَّة التي من شأنها أن تهذِّب هذه الغريزة. غير أنَّ نتيجة الموقف كانت، على حدِّ تعبير دويتش، ‘‘كارثةً نفسيَّة’’. وتتابع قائلةً: ‘‘إنِّي لم أشاهد قطُّ شبَّانًا وشابَّاتٍ تبدو على ملامحهم التعاسة أكثر من هؤلاء. إنَّهم يتألَّمون بشكلٍ واضحٍ من جرَّاء الحرمان العاطفيِّ؛ وبالتالي من فقدان طعم تلك الإثارة الجنسيَّة التي يزعمون أنَّها حرَّةٌ ولا محدودة.[2]

بدأَتِ الثورة الجنسيَّة في الغرب في ستِّينيَّات القرن العشرين، وتأصَّلت عبر العقود المتتالية حتَّى صار المفهوم السائد الآن في الإعلام الغربيِّ أنَّ الجنس ليس سوى حاجةٍ بيولوجيَّةٍ يمكن للإنسان أن يشبعها كما يُشبِع جوعه إلى الطعام باِلْتهام شطيرةٍ من الهامبرجر، ويَمضي بعدها في طريقه. حتَّى إنَّه قد صارت هناك نوعيَّةٌ من العلاقات يسمِّيها الشباب ‘‘علاقات المنفعة المتبادَلة’’(Friends with Benefits) بمعنى أنَّها صداقاتٌ وعلاقاتٌ مبنيَّةٌ على ‘‘المساعدة المتبادلة’’ فقط. والمساعدة هنا إشباع الرغبة الجنسيَّة ليس أكثر. وليس ثَمَّة روابطُ أوِ التزاماتٌ أخرى. إذ ما عاد هناك من حاجةٍ يخطِّط فيها الشابُّ ليخدعَ الفتاة ويَعِدُها بالزواج، كما يحدث في الشرق، حتَّى يقيم علاقة جنسيَّة معها؛ إذ إنَّهم يعلنون من البداية أنَّ العلاقة ما هي إلاَّ علاقةٌ جنسيَّة ليس أكثر.

إنَّ هذه العقليَّة، التي تختزل الجنس إلى مجرَّد إشباع رغبةٍ جامحةٍ وتهدئةٍ لتوترٍ جسديّ، هي العقليَّة ذاتها التي تروِّجها الثورة الجنسيَّة، والتي استولت تمامًا على صناعة السينما والإعلام. ففي أيِّ فيلمٍ أمريكيّ، يكون من الطبيعيِّ أن يتعرَّف شابٌّ ما بإحدى الفتيات، ويتجاذبان أطراف الحديث، ثُمَّ يدعوها إلى العشاء، إذ يبدأ العشاء بالسلطات والمقبِّلات، من ثَمَّ يحين دور الطبق الرئيسيِّ مع النبيذ، تليه الحلويَّات والقهوة، ويختمان عشاءهما الفاخر هذا بالجنس! وتكون اللقطة التالية في الصباح وهما معًا في الفراش وقد غطَّيا عُريَهما بملاءات السرير. قد يستيقظ أحدهما قبل الآخر ليذهب إلى عمله، إنْ كان يومَ عمل، أو قد يستيقظان ويُعدَّان الفطور ويتناولانه معًا، وهو ما قد يُشير إلى بداية علاقةٍ جادَّة. فمع أنَّ هذا ليس أسلوب حياة أغلب الناس في المجتمع الأمريكيّ، فإنَّه أسلوب الحياة المعتاد في السينما الأمريكيَّة التي تصنعها عقولٌ سيطرتْ عليها أفكار الثورة الجنسيَّة. وقد يكون أيضًا أسلوبَ حياة نسبةٍ ضئيلةٍ من المجتمع الأمريكيِّ تسكن المدن الكبرى كنيويورك ولوس أنجلوس، فيما السواد الأعظم من المجتمع لا يعيش على هذا النحو. إذ قد أظهرتْ دراسةٌ عنِ التنظيم الاجتماعيِّ للممارسة الجنسيَّة في الولايات المتَّحدة أنَّ نسبة مَن يلتزمون بشريكٍ واحدٍ طِوال العمر تصل إلى نحو 83%[3].

الصفحات