You are here

قراءة كتاب ريترو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ريترو

ريترو

يتكئ فرحات على سيرته الذاتية ومحطاتها المؤثرة التي طبعت بميسمها شكل حياته ومزاجه الشخصيّ، ماراً باللحظات الأكثر حميمية وتأثيراً في ذاكرته، مستذكرا شخوصاً ولحظات حافظت على ألقها في ذاكرة الكاتب وظلت مُشعّة رغم مرور الزمن.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
3
 
لهجات
 
لم أدرك أوّل الأمر تبعة التّعلّم في حيفا . حسبت أنّ المسألة متعة سفر ورحلة تمتّد لأربع سنوات، أستقـلّ فيها الباص أو سيّارة الأجرة ثمّ أعود آخر النّهار إلى البيت دون عناء. والحقيقة أنّني لم أكن متخوّفاً من مدى تحصيلي العلميّ، فقد كنت من أوائل الطّلبة في القرية حتّى نهاية الصّفّ الثّامن، وكنت، في كلّ عام أحصل على جوائز في مسابقات أسبوع الصّحّة الّتي نظّمتها المدرسة بالتّعاون مع المجلس المحليّ. وكم كانت فرحتي عارمة حين كان جدّي، رئيس المجلس، يقدّم لي الجائزة: قلم حبر من حديد، رماديّ اللّون له كبسة تضغط إلى الشّمال ثمّ إلى الأسفل. والفوز بالنسبة لي، لم يكن قلم الحبر، بقدر اعتزازي بما سيقوله جدّي في الدّيوان لضيوفه، من أقاربه وأنسبائه، عندما أزوره وأقف قبالة الباب، علـّه يلحظني فيأمرني بالدّخول، ويحدّثهم عنّي، ولا أنصرف قبل أن يقدّم لي قطعة بقلاوة بمذاق الجنة .
 
ما شغل بالي أوّل ذي بدء، اختلاف اللّهجات. وبالرّغم من أنّنا اعتدنا في القرية على لهجة أهل المدينة، لأنّ معظم معلّمينا وفي مقدّمتهم المدير الأستاذ " أبو جورج " كانوا من سكّان حيفا، إلاّ أنّ الأمر بقي عاملاً ذا تأثير كبير في تصنيف الطّلّاب الطّبقيّ والاجتماعيّ . لم أنس أبداً كيف سخر منّي طلاّب الصّفّ السّابع عندما كنّا " نعيّد " عيد الاستقلال لدولة إسرائيل. فقد كنّا كحركة كشفيّة نمشي على وقع الصّنوج والطّبول وننهي الاحتفال بعرض هرميّ مكوّن من سلّم بشريّ حيث يقف الطّالب العلوي على كتف زميله مؤدّياً تحيّة شبه عسكريّة. لا أخفيكم سرّاً فقد كنت هذا الطّالب نظراً لصغر قامتي يومها، ووزني الخفيف . وما أن اعتليت كتف زميلي في أحد التّدريبات الّتي سبقت العرض، حتّى سقطـتُ أرضاً على ساحة، نصفها تراب ونصفها صخور متجذّرة بالأرض، وكان المدير " أبو جورج " حاضراً فهرع إليّ قائلاً: " شو يا رجا "، وكان يناديني باسم أبي، " راح أوأحك " ؟. لم أفلت طيلة العام من غلاظة أصدقائي، الّذين ما انفكّوا طيلة السّنة من سخريتهم: " شو يا رجا راح أوأحك ؟ " .

Pages