You are here

قراءة كتاب ريترو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ريترو

ريترو

يتكئ فرحات على سيرته الذاتية ومحطاتها المؤثرة التي طبعت بميسمها شكل حياته ومزاجه الشخصيّ، ماراً باللحظات الأكثر حميمية وتأثيراً في ذاكرته، مستذكرا شخوصاً ولحظات حافظت على ألقها في ذاكرة الكاتب وظلت مُشعّة رغم مرور الزمن.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
أحببته بشغف الأطفال العفويّ كثيراً. كان يعرف كيف يصل إلى قلوب النّاس بطلعته البهيّة، وبعينيه العسليّتين وبجبهته العريضة. لا أعتقد أنّ أحداً رآه يوما في الشّارع دون بسمته المعهودة وهي مرسومة على وجهه. قابل الناس، كلّ النّاس، بابتسامة حقيقيّة وبتحيّة صادقة، وقد بادله النّاس المحبّة والاحترام. باختصار، كان عمّي "معشراني" إلى أبعد الحدود ممّا جعل دائرة أصدقائه تتّسع الأمر الذي أضاق ذرع جدّي معتقدا أنّ ذلك يحول دون قيامه بواجباته العمليّة والمهنيّة وبأنّه " داير على طق الحنك".
 
عمّي عطا كان إنساناً موهوباً وجريئاً في التّعبير عن موهبته. فقد رسم على القماش رسومات عدة بالألوان. لا زلت أذكر لوحة بعينها دون غيرها، وقفتُ أمامها طويلاً، يبدو فيها صيّاد يحمل بندقيّته وإلى جواره كلبان في حضن الطّبيعة.
 
لماذا وقفت طويلاً أمام هذه اللّوحة ؟ أظنّني أعرف السّبب. فعندما كان عمّي في السّادسة عشرة من عمره، اعترضه اثنان من قاطعي الطّرق وكان معه كلبه الأمين " بطـّاح " فتعارك هو مع أحدهم بينما قام بطاح بالهجوم على الآخر وهكذا بقدرة قادر استطاعا أن يتغلبا على هذين اللّصين وأن يصلا البيت بسلام.
 
في ذلك الوقت لم يكن للفنّ مكان في الحياة العامّة، وربّما راح البعض إلى أبعد من ذلك وأعتبره ضرباً من الجنون . لذا اكتفى عمّي برسم الصّور وتعليقها على حائط البيت وسط تذمّر جدّي وانتقاده اللاّذع لهذا " الخوَث". لم يكن عمّي يأبه كثيراً لكلام جدّي، فقد كان الأخير سريع الغضب، نزقاً بعض الشيء، إلاّ أنّه بالمقابل، كان صاحب نكتة وبخاصّة مع مجموعة أصدقائه من الصيادين الّذين لم يتغيبوا يوماً عن جلساتهم في العليّة الّتي عبقت بدخان سجائر" اللف العربي " وأطباق القهوة " الطالعة نازلة ". أمّا أنا، فلي حساب مفتوح إلى الأبد، مع هذه العلـّية. كنت حسب ما حدثتني أمّي مراراً، لم أتجاوز بعد ثمانية أشهر حين حدث ذلك الأمر الرّهيب . يومها، طلب جدّي من عمّتي أن تأتيه بشيء إلى عليّته، فما كان منّي، وأنا الطّفل الرّضيع، إلاّ ان تبعتها صاعداً الدّرج، درجة تلو الأخرى زحفاً على بطني حتى وصلت الدّرجة الأخيرة. كان المكان عالياًوالدّرج دون سياج، وما أن وصلت إلى الأعلى، حتى وقعت من علوّ يتجاوز خمسة أو ستة أمتار. قالت لي أمي إن الله ستر، فقد وقعتُ قرب ثور مربوط في ساحة الدار له قرون كبيرة، ومن " حظي " أني وقعتُ على طبق من القش الملوي ممّا خفّف بعض الشيء من فداحة الضّربة. غطّت الدّماء رأسي وأخذوني محمولا على الأيدي وهم يركضون بي إلى " رنويك David runwick، 

Pages