يتكئ فرحات على سيرته الذاتية ومحطاتها المؤثرة التي طبعت بميسمها شكل حياته ومزاجه الشخصيّ، ماراً باللحظات الأكثر حميمية وتأثيراً في ذاكرته، مستذكرا شخوصاً ولحظات حافظت على ألقها في ذاكرة الكاتب وظلت مُشعّة رغم مرور الزمن.
قراءة كتاب ريترو
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
4
ساعة
أربع سنوات متتالية كان عليّ أن أسمع صوت السّاعة برتابة قاتلة – تيك تاك تيك تاك –، ولـّدت لديّ "تراوما" ما زالت تنخر في عظمي حتّى الآن. ومن مخلّفات هذه "التراوما" أنّني لا ألبس ساعة ولا أطيقها على يدي . لقد حاولت مراراً وبعد مرور أعوام عدّة أن ألبس ساعه، لأنّني قرأت في مكان ما، ولا أستطيع أن أحدّد جديّة هذا الكلام، أنّ الفتيات ينظرن إلى الرّجل من خلال ثلاثة أشياء: السّاعة التي يلبسها، الحذاء الذي ينتعله وشيء ثالث لم أعد أذكره. بالرغم من هذا، باءت محاولتي بالفشل ولست نادماً على ذلك. ولو وقف الأمر عند صوت السّاعة لكنت قد سلـّمت واسترحت ولكن، كان عليّ أن أصوّب دقّاتها عند السّادسة صباحاً كلّ يوم. فما أن تبدأ هذه اللّعينة بالرّنين حتّى أقفز مذعوراً وكأنّني عامل إطفاء سمع للتوّ جرس الإنذار يعلن شبوب حريق هائل، فقام على عجل لإخماده.
لو سألتموني ماذا تكره، أقول لكم صوت السّاعة والنّهوض باكرا. لا أدري كيف أنّي لم أستطع بعد هذه السّنين الطّويلة التّخلّص من هذا العذاب. ينتابني صداع لمجردّ التّفكير بأنّه يتوجّب عليّ النّهوض باكراً بسبب سفرة طويلة أو عمل مبكر يجب القيام به. لكلّ شخص منا ساعة بيولوجيّة تحدّد له مواعيد نومه وصحوه وقدرته على مغادرة الفراش رأساً أو بعد دقائق طويلة من التّململ والتّثاؤب.
لم تكن أمّي علي دراية بساعتي البيولوجيّة، فعليّ أن أهيّئ نفسي لأخذ وجبة الفطور كي " ألحق " الباص. ليست أمّي وحدها التي كانت تحثّني على الإسراع، فجارنا " أبو رجا " الّذي أراد بكلّ قوّة أن يتابع ابنه الدّراسة، كان يرجوني بحرارة أن أعرّج عليهم كلّ صباح حتّى ينضمّ ابنه البكر إليّ في رحلة العلم والمعرفة رغماً عنه، فقد كان الصبيّ مولعاً بالموسيقى وبالعزف على العود بعيداً كلّ البعد عن هموم التّاريخ والكيمياء واللّوغريتمات.
أمّا أنا، فقد كنت أصلُ المدرسة حاملاً معي تعبي وتذمّري قائلاً لصديقي زهير: لماذا لا يبدأ النّهار السّاعة العاشرة صباحاً؟!