ديوان "يوم قابيل والأيام السبعة للوقت" للكاتب والشاعر السوري نوري الجرّاح، الصادر عن "دار راية" في حيفا، يضم قصائد تستوحي أَجواء المحنة السورية الراهنة، والتي يطفر فيها الدم غزيراً، جرّاء توحش السلطة الحاكمة ضد الشعب السوري في ثورته.
You are here
قراءة كتاب يوم قابيل والأيام السبعة للوقت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
III
المجازفة الثالثة يختصرها هذا السطر، من قصيدة «سيزيف عربي يسكن في مدينة أثرية»: «ليس ثمة فنّ أعمق من أن يكون فنّكَ مرثية مفتوحة». فأية مرثية، أو تنويعات عليها، أو أنساق لها، شاء نوري الجراح أن يقترح في هذه المجموعة؟ وهل أفلح في أن يبلغ بها مستويات عالية من «فنّ أعمق»، شاء أن تصبو إليه قصيدته الرثائية؟ وهل كانت بالفعل مفتوحة، وكيف؟ ثمّ لَمَ يتوجب أن تكون مجازفة في المقام الأوّل؟
وفي الابتداء من السؤال الأخير، هنالك تلك الخلاصة النقدية التي تقول إنّ القصيدة الحديثة، أو تلك المعاصرة الحداثية التي يكتبها الجراح وسواه من شعراء قصيدة النثر تحديداً، انفكت عن مقولة «الغرض» الشعري، أياً كان. لم يقع هذا التطوّر لأنّ هذا الغرض أو ذاك ينطوي على معضلات في التعبير الشعري أكثر مشقة، أو أقلّ جاذبية في مناخات الحياة الإنسانية الراهنة، أو أشدّ تعارضاً مع منظورات جمالية محددة مشتركة تقاسمت توفيرها تيارات رئيسية في الكتابة الشعرية العربية خلال العقود القليلة الماضية، أو أعلى إشكالية من حيث الأسباب الأخرى المحاذية للنصّ الشعري (التنظير الإيديولوجي، أو مقاربات علم النفس التحليلي، لمسائل العاطفة والفقد والحزن والتأبين...). الأمر، في جانبه الأبسط والأهمّ، يعود إلى أنّ الغرض الواحد، المنفرد، لم يعد مستحباً، أو ممكناً اصلاً؛ فضلاً عن عجز أي غرض شعري مستقلّ عن عكس الطموحات الفنية الواسعة، والمعقدة المتشابكة، التي تتطلع إلى إنجازها القصيدة المعاصرة.
بهذا المعنى فإنّ الجراح يشتغل على ما يشبه المرثية المضادة، أكثر من اشتغاله على أية تقنيات رثائية تردد اصداء، أو تعيد إنتاج، تقاليد سابقة، أو حتى لاحقة؛ حظيت بمقدار ملموس من الإجماع على حُسْن تمثيلها للغرض، واستقرّت بصفتها هذه، فصارت أشبه بـ"نوع» كافٍ ومكتفٍ، ينجح أو يفشل، وتتسع حدوده أو تضيق، تبعاً لمهارات زيد أو عمرو من الشعراء. ولكن، حين يكتب الجراح، في قصيدة «أنشودة الراجع من الكهف»:
جاءتْ ريحٌ عاصفٌ والموجُ بلغ فم الكهف،
نهضنا من تراب الأمس،
نهضنا بما ملَّكنا صفير الريح، وما أودع البرق في محاجرنا
نهضنا من عتمة ورأينا في الشقوق الصخر نور العاصفة
لكن السماء سكرى، تلقتنا بالزورق،
لننزل بالراحةِ فارغةً وننزل بالدرهم القديم،
لنطوف على من مات غداً.. من قال أنه رأى في النقش وجه أصغرنا،
أماه.. في أي هاوية تنامين،
والخالُ ذو الأكتاف،
هل كان له تحت قوسِ السوقِ ظلٌ،
هل رجَع بالميزان؟