You are here

قراءة كتاب سارة قصة الحب الخالدة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سارة قصة الحب الخالدة

سارة قصة الحب الخالدة

رواية "سارة" للكاتب السعودي صالح بن ابراهيم السكاكر، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، قد تكون مثالاً واضحًا عن سعي الى الاتيان بجديد على صعيدي الاسلوب والمحتوى لكن الامر يتحول الى عكس ما هو مستهدف ويتحول الى ما يمكن وصفه بانه عبء على الكاتب والقا

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
·· قام أبي من مكانه وبدأنا نمشي بين حقول النخيل، نمشي بين تلك النخيل التي تعني الماضي والحاضر، وكذلك المستقبل لنا نحن أبناء تلك الديار، كان أبي مستغرقاً في تأملاته، ذلك اليوم ما يزال يغور عميقاً جداً في ذاكرتي، كانت السماء صافية، وكان عمال الحقول يتأملون في نخيلهم وقد بدأ التمر يحمر، كنت أرى فقراً يشع من بين سعف النخيل الذي يتمايل شمالاً ويميناً، وعلى الرغم من كل تلك الحركة التي تطوف أمام ناظري، كنت أجد أن تلك الحياة تشكو فقراً عظيماً، كان كل إنسان يتأمل بلا صوت، وكنت أحسبني الطفل الوحيد الذي يوجد في ذلك المكان وذلك الزمان، وفجأة صرت خائفاً، أحسست بيدي من غير إرادة تتمسك بجسد أبي، كان هنالك ألم حار جداً يخرج من كل شيء، من الأرض التي غُطيت بأشجار النخيل، ومن الغبار المتراكم على سعف النخيل، كان الألم يزحف آتياً من الشوارع بين الأبنية الطينية، كان الألم يتباهى بفتكه في وجوه الناس، ويجتمع كل ذلك الألم ويتحول إلى خوف شديد، إلى خوف من الغد، يجتمع في صدري فتراني أتشبث بجسد أبي أكثر فأكثر، وفجأة وقف أبي وقبلني فتلاشى كل ما أحسست به··
 
·· أكملنا مسيرنا إلى أن انتهت من حولنا حقول النخيل؛ فأصبحنا أمام أرض مستوية يطفح على سطحها الملح الذي تشتهر به قريتي، كان الاستواء إلى حد مد البصر، فجأة توقف أبي في مكانه، كان كل شيء صامتاً، السكون هو الوجود، هو المحيط الذي نوجد به أنا وأبي، رفع رأسه وتقدم خطوة وما يزال الرأس مرتفعاً صوب السماء، وبدأ يتحدث قائلاً :
 
-الله رب كل شيء، الذي إن عظمت ذنوبنا لأننا بشر نخطىء ولسنا منزهين من ارتكاب الخطأ فهو يرحمنا ويغفر لنا، مع الله يا ولدي نعيش في أمن وسعادة وروحانية، مع حب الله يا طفلي تصبح الليالي السوداء ليالي بيضاء نقية، أنظر إلى تلك الأرض الفسيحة المنبسطة التي لا حد لها، فأبصارنا لا تستطيع رؤية حدودها، رحمة الله يا ولدي أعظم اتساعاً من كل شيء في هذه الأرض، بل من كل شيء في هذا الكون، لأننا مع الله يجب أن نُحب الناس، وأن نظل أوفياء لمن أحببناهم، لأن الله معنا يجب أن يكون الوفاء مصيرنا، ويكون الوفاء قبل كل شيء مع الذات، مع ذواتنا، مع أرواحنا التي تحيا لأن الله زرع فيها الحياة، الله كريم ينزل كل ليله إلى السماء الدنيا، وينادي هل من طالب فيعطيه ما طلبه، هل من مستغيث فيغيثه، عند الله تتلاشى كل المعاني والكلمات، فهو الرحمن الرحيم، القدوس السلام المؤمن العزيز الكبير البارئ الوهاب الرازق الفتاح العليم الرؤوف السميع، عند الله وعند أسمائه وصفاته يتلاشى كل ألم وحزن، وكل خيانة وكل جرح، عند الله تسمو أنفسنا وتتعالى أرواحنا لأننا مع الله·· 
 
كان يتحدث أبي بطريقة موسوعية، بطريقة خاصة تجعل من كل كلماته كالأهرام شامخة في ذاكرتي، وبينما هو يتحدث عن الله كنت أعيش التناقض، تناقض طفل، فقد كان تصوير الله عند أبي مختلفاً عنه عند أمي تماماً، فالله عند أبي رؤوف ودود يواسي الضعيف، ينصر الفقير ويساعد المحتاج، أما عند أمي فالله قاهر يعذب يدمر و يغضب ولا يرحم المخطىء أبداً، وكنت بين هذا وذلك أعيش التناقض، أحسست في طفولتي أن هنالك إلهين! إله أبي وإله أمي، وبعدما كبرت عرفت يقيناً أنه إله واحد، ولكن هنالك أشخاص يبحثون عن مصالحهم بتسخير صفات الله التي تناسب جريان مصالحهم؛ لأجل حصول المنفعة الحاضرة! ومن هؤلاء الأشخاص للأسف كانت أمي!
 
عدنا متوجهين للمنزل، كانت الشمس تعلن الهروب إلى نصف الكرة الأرضية الآخر، فبدأت أصوات الأذان ترتفع من كل جهة، تلك الأصوات التي تدخل إلى سمعي الآن، وأنا رجل أربعيني، كصوت غريب موحش يجعلني أحتار أكثر وأكثر، بينما كانت تلك الأصوات أجمل وأحلى ما سمعته عندما كان أبي يمشي بجانبي، في ذلك اليوم كنت أتأمل عيني أبي وأرى فيهما الألم والخوف والجرح وكنت أتساءل: لماذا أبي حزين ومتألم دائماً؟ هل هو يحلم بحياة أفضل من تلك التي يحياها وهذا سبب شقائه، أم وجود أمي التي لا تبادله الحب والوفاء، أم ماذا؟ كنت مؤمناً أن سبب شقائه وألمه هو حبه الكبير لأمي، فالرجل يموت ألف مرة من امرأة لا تبادله الحب والوفاء، وكنت لا أرغب برؤية هذا الألم في وجه أبي، الذي هو الحب العظيم بالنسبة لي، فبدأت أثناء مسيرنا أدعو على أمي بالموت! لقد كنت لأجل أبي أدعو عليها بالموت! وكنت أثناء ذلك أعيش في اضطراب في العواطف والمشاعر؛ فحبي العميق لأبي وبأنه شيء مقدس لا يجوز نكران حبه وواقعي بأن تلك المرأة التي أدعو عليها هي أمي يعذبني ويزيدني ألماً في مشاعري، وبينما أنا غارق في اضطراب وتصادم المشاعر، توقف أبي الذي علمني كل شيء، علمني كيف أكتب، ولمن أكتب، ومتى أكتب، وكيف أناقش، توقف فجأة وبدأ يتأمل قطة صغيرة تتراقص على نفاية من النفايات المرمية في جانب الطريق :
 
- لا فرق بين الإنسان والحيوان!
 
قال كذلك أبي الذي سيظل خالداً في حياتي، تعجبت من كلامه، فما قاله يخالف ما تعلمته في المدرسة، فالإنسان مُنح العقل والشهوة، والحيوان خُلقت فيه الشهوة بلا عقل يزنها، قلت لأبي متعجباً مستفهماً :
 
- كيف ذلك؟!

Pages