خرج الاتحاد السوفياتي منتصراً من الحرب العالمية الثانية وانشغل ببناء ترسانته الحربية عن إصلاح حال اقتصاده الداخلي المنهك جراء الحرب وبهذا فتح الباب امام عدد من الحركات التحررية للظهور ودخل الإتحاد في مرحلة إعادة البناء "البيريسترويكا" التي أدت إلى انهيار ال
You are here
قراءة كتاب ليلى والثلج ولودميلا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
بيد أنها ما إن اجتازت الباب حتى توقفت مندهشة في استجابة عفوية للحدث: كانت أمطار الصباح قد توقفت، ومن السماء انجلت الغيـوم وهيمنت الشمس عليها، وأغرقت العالم بنور أزرق صاخب شفــاف·
أما الغابة المقابلة لمبنى المستشفى، التي كانت قبل أسبوع ما تزال عارية قاتمة، فقد فوجئت بها ليلى في تلك اللحظة تحديدا، تشع اخضرارا وهاجا، وكأن الباب لم يُفتح على الشارع بل أُشرع على الربيع!
لم تكف ليلى، وعلى مدى الأعوام العشرة الماضية التي عاشتها في بطرسبورغ، عن الاندهاش من هذه المعجزة، فالربيع هنا يحدث فجأة، إذ يكفيها عدة أيام تنشغل فيها بتفاصيل الحياة، حتى ينتشلها ذات لحظة مؤثر ما خارجي، يطرق حواسها هاتفا: إن الربيع الذي وقف طويلا خلف الأبواب قد دخل؛ فتتلفت حولها بانبهار: متى حدث ذلك ؟ وفي أي ليلة أو نهار؟، وتكتشف أنه قد فاتها في هذه السنة أيضا أن تنتبه·
إن لربيع بطرسبورغ سحرا لا يوصف، فالألوان الزاهية التي تتفتح فجأة في كل مكان، والنوافذ التي تشرع على حين غرة، والشمس التي تتخلى عن وقارها، فتهبط إلى الشوارع والأزقة، وتروح تتراكض فيها بصخب ومرح مثل طفلة مشاكسة، كل ذلك كان يذكر بطفولة الحياة· لا، بل إنها ليست طفولة وإنما مراهقة جنونية رائعة·
في العادة كانت ليلى تجتاز المسافة حتى محطة الباص مسرعة، فبالإضافة إلى طبيعتها الملتزمة بالمواعيد، كانت لا تحبذ استفزاز فلاديمير بتروفتش، الذي يراقب الدوام بطريقة عسكرية مستقاة من روح ثلاثين عاما قضاها ضابطا في الجيش السوفييتي العظيم، ويتعامل مع تأخر الموظفين عن مواعيد عملهم كما لو أنه إهانة موجهة إليه شخصيا·
بيد أن حالة غريبة من اللامبالاة ألمت بها فجأة، وأخذت تسير بتأن، باعثة بمواعيد العمل وبفلاديمير بتروفتش إلى حيث يشاؤون؛ فالربيع لا يحدث كل يوم!·
سارت ببطء يغمرها النور الصاخب والصفاء· لم تكن تفكر بشيء بقدر ما غرقت بأحاسيسها· ثم فتحت أزرار معطفها وخلعته وسارت بخفة كأنها خلعت بلحظة وبحركة واحدة وطأة البرد الطويل، ورمته عن كاهلها· لكن، وبدل أن ينساب الصفاء إلى داخلها، شعرت به ينطوي على قوة عاصفة، طفقت تثور في أعماقها مساحة شاسعة ملغومة من الفراغ· كانت تدرك تماما، وربما لسوء حظها، أنه لا يوجد في هذه الدنيا شيء يمكنه ملء ذلك الفراغ سوى الحب·
ثمة علاقة خفية تربط الربيع بالحب!
كانت ليلى، الفتاة العربية التي تعيش في بطرسبورغ وتحيا، في السنوات الأخيرة، نمط حياة يكاد يكون مبرمجا، تدعي أن لا وقت للحب في حياتها، لاسيما في الفترة الراهنة، فإنهاء الدراسة بنجاح والحصول على شهادة طبيبة متخصصة، كانا هدفا يشغل المرتبة الأولى في قائمة اهتماماتها، ثم إن الفرصة التي سنحت لها بالحصول على عمل إضافي في مركز التجميل، قد حلت مشكلة مالية كبيرة لديها، وحررت أهلها من عبء مصاريفها· وبالتالي، كما كانت تصرح، فإنه لا وقت لديها على الإطلاق للحياة الخاصة· أما التفريط بالدراسة أو العمل في سبيل ذلك، فإنه وبلا شك يعد ضربا من ضروب الحماقة·


