قراءة كتاب البنية الدرامية في شعر محمود درويش

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البنية الدرامية في شعر محمود درويش

البنية الدرامية في شعر محمود درويش

يرى الباحث د.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 2
الفصل الأول
 
في أصول البنية الدرامية
 
 
مفهوم البنية
 
البنية لغة: "البَنْيُ: نقيض الهدم، بنى البناء بَنياً وبناءً وبنى، مقصور، وبُنياناً وبنيةً وبنايةً وابتناه وبناه، والبناءُ: المبنيُّ والجمع أبنية، وأبنيات جمع الجمع واستعمل أبو حنيفة البناء في السفن. والبِنيةُ والبُنيةُ: ما بنيته، وهو البنى والبُنى. كأن البِنيةَ الهيئة التي بُنيَ عليها( ).
 
أما المعنى الاشتقاقي لمفردة البنية فهو يدلّ- في تضاعيفه - على دلالة معمارية... وقد تكون بنية الشيء تكوينه... وتعني: الكيفية التي شيد على نحوها هذا البناء، ومن هنا، فإنه يمكن التحدث عن البنية مضافة إلى الشيء نحو: بنية المجتمع، أو بنية الشخصية، أو بنية اللغة.
 
ولم ترد لفظة (بنية) في القران الكريم لتدل على الشكل اللغوي، أو الأسلوب التعبيري، ولكن وردت"على صورة الفعل (بنى) أو الأسماء (بناء) و(بنيان) و(مبني) نيفا وعشرين مرة، ويبدو أن معانيها التي وردت في القران الكريم لا تخرج عن مدلولها اللغوي المشار إليه.( )
 
ولعل كلمة البنية في اصطلاح النحاة واللغويين وردت لتدل على الشيء الثابت حينما فرقوا بين المبني والمعرب، أو بين المعلوم والمجهول؛ فقالوا: المبني للمعلوم، والمبني للمجهول. أو حين تحدثوا عن أبنية الكلمات: كأبنية الأفعال، وأبنية المصادر، وما شابه ذلك.
 
أما في اللغات الأجنبية؛ فإن كلمة "structure" مشتقة من الفعل اللاتيني" strucre" بمعنى: يبني أو يشيد. و حين تكون للشيء بنية (في اللغات الأوروبية)؛ فإن معنى هذا- أولا وقبل كل شيء- أنه ليس بشيء "غير منتظم" أو "عديم الشكل" amorphe، بل هو موضوع منتظم، له صورته الخاصة، ووحدته الذاتية. وهنا يظهر التقارب بين معنى البنية ومعنى (الصورة) form، ما دامت كلمة"بنية" في أصلها تحمل معنى المجموع أو (الكل) المؤلف من ظواهر متماسكة، يتوقف كل منها على ما عداه، وتحدد من خلال علاقته بما عداه"( ).
 
ووردت مفردة (البنية) في النقد العربي القديم، لتدل على حالة بناء اللفظة المعروفة؛ فهي عند ابن طباطبا تعني: الإنشاء والتكوين، ويتضح ذلك من خلال قوله: "فإذا أراد الشاعر بناء قصيدة مخَّض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكرهِ نثرا، وأعد له ما يلبسه إياه من الألفاظ( ).
 
وجاءت لفظة (بنية) في مواضع متفرقة، من كتاب (نقد الشعر)، فقال قدامة في حديثه عن التصريع: "لأن بنية الشعر إنما هي التسجيع والتقفية... "( )، وهي عنده لا تخرج عن مدلولها عند ابن طباطبا، وإن كانت- هنا- أقرب إلى الصيغة أو القالب.
 
وجاءت هذه المفردة بالمعنى نفسه عند كل من الآمدي والحاتمي. أما مفهوم القيرواني لهذا المصطلح، فكان يعني: "مجموع العلاقات بين الأجزاء التي تتكون منها القصيدة مع بعضها، فكان يرى أن من الأفضل أن يكون كل بيت مستقلا بذاته لا يحتاج إلى ما قبله أو ما بعده".( )
 
أما مصطلح البنية - كما ورد عند عالم النفس السويسري (جان بياجيه) – فهو "نسق من التحولات، له قوانينه الخاصة، باعتباره نسقا (في مقابل الخصائص المميزة للعناصر"( )، علما بأن من شأن هذا النسق أن يظل قائما ويزداد ثراء بفضل الدور الذي تقوم به تلك التحولات نفسها، دون أن يكون من شان هذه التحولات أن تخرج عن حدود ذلك النسق، أو أن تهيب بأية عناصر أخرى تكون خارجة عنه. "( )
 
أما (ليفي شتراوس)، فهو يقرر أن "البنية تحمل- أولا وقبل كل شيء- طابع النسق أو النظام؛ فالبنية تتألف من عناصر يكون من شأن أي تحول يعرض للواحد منها، أن يحدث تحولا في باقي العناصر الأخرى"( )
 
وتنسب البنيوية للبنية، وتعني: مجموعة العلاقات الداخلية التي تميز مجموعة ما، وتوصف البنية بأنها: شاملة، ومتحولة، ومتحكمة بذاتها.
 
أما شمولها فيعني: أنها كلية، تقوم على أنظمة وعلاقات، والبنى الجزئية داخل هذا النظام الكلي متكررة؛ فهي واقعة داخل النظام الكلي. من خلال هذا التصور الكلي يقوم التحليل البنيوي على رصد الثنائيات التناقضية في النص، معتمداً على القراءة الوصفية، وهذا الرصد يتناول النص من خلال مستوياته المتعددة: الصوتية، والصرفية، والتركيبية.
 
أما التحول؛ فذلك أن الطبيعة البنيوية تفترض السكون من خلال الربط بين هذه الثنائيات، لكن الذي يكسر هذا الجمود هو تلك الحركة الداخلية. ويأتي الضبط الذاتي ليعلن عن استقلال البنية، وان النص يستمد هذه التحولات من ذاته.
 
هذه الرؤية التي حاولت أن تعزل النص عن سياقه، وتتعامل معه من داخله ككائن مستقل ومغلق، تعد سلسلة من تحولات نقدية في القرن العشرين تمثلت في مدارس عديدة، تأثرت بعلم اللسانيات الحديث، وما حمله من نظريات تخص اللغة والكلام، مما سرَّع في عملية الانقلاب والتغير المنهجي في تناول النص، وبدأ النقاد يتحدثون عن نظرية للأدب، تطال النص وتبحث عن ماهيته وأدواته، بعيداً عن سياقه، وهذا النقد الفني الجديد ليس واحدا في كليته، بل تعددت مدارسه، وكثر دعاته، ولم يرس على بر تستقر عنده معالمه، بل شهد حركات متسارعة من التطور والتغير؛ فكانت حركة النقاد الجدد، التي بدأت مع (سبانجرن) و(كرو رانسم) و(كلينث) و(ادموند ولسون) و(ديفد ديش) و(رينه ويليك). ثم كانت حركة الشكليين الروس وأفكار (جاكبسون) في الشعرية والأدبية. ثم انفتح الباب سريعا على الدراسات البنيوية مع (شارلز بالي) و(ليفي شتراوس) و(بارت) وما تبعها من ردود أفعال ولدت التفكيكية، والسيميائية، والظاهراتية، والتاريخانية الحديثة، والنقد الثقافي، والنسوي؛ ليصبغ العصر بهذه المناهج النصية التي تتجاوز السياقات التاريخية والنفسية والاجتماعية.

Pages