You are here

قراءة كتاب أديب إسحق: مثقف نهضوي مختلف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أديب إسحق: مثقف نهضوي مختلف

أديب إسحق: مثقف نهضوي مختلف

تتألّف هذه الدراسة من خمسة فصول وخاتمة، عالج الفصل الأوّل الإطار النظريّ، والظروف الفكريّة لأديب إسحق، ممثّلاً بفكر النهضة كإطار عامّ، ومن ثم نشأة تيارات الفكر العربي الحديث وتبلورها، وبخاصة الاتّجاه السلفيّ والاتّجاه الليبراليّ الذي انتمى إليه أديب إسحق، و

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
ولم يكن المثقف النهضوي في استلهامه واقتباسه لمقولات الغرب الليبرالية والتبشير بها معاصراً لحركة التاريخ الأوروبي، أو متزامناً مع حركته الاجتماعية والفكرية، بالرغم من إحساسه بخصوصية قضاياه، فلم تتجاوز مقولات النهضة العربية حول الإصلاح والحرية والمساواة فكر التنوير الأوروبي في القرن الثامن عشر، ولم يجد الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر (عصر الداروينية الاجتماعية والاشتراكية) صداه إلا في أواخر ذلك القرن والنصف الأول من القرن العشرين·
 
ولم تكن أوروبا أو الغرب مجرد ركام من النجاحات والإنجازات الفكرية والعلمية، بل إن تاريخها حتى القرن التاسع عشر كان حصيلة نوعية لمراحل تاريخية طويلة الأمد من عصر النهضة والتنوير، والثورة الفرنسية، والثورة الصناعية، ونشوء القوميات، وصولاً إلى الثورة العلمية، والرأسمالية، والاستعمار، والاشتراكية، ضمن استمرارية تاريخية·
 
إلا أن المفكر النهضوي تجاهل بنية تلك الاستمرارية التاريخية التي طبعت التاريخ الأوروبي، لتسهيل عملية تمثُّله واقتباسه، وهذا أوقعه في تناقضات جمّة، وجعله يتمسّك ببعض المقولات والمبادئ دون غيرها، ورفعها لمستوى أولي لتصبح مبدأً تفسيرياً للتأخر والتقدم، فليس لديه من ناحية موضوعية إلا ما يوفره النظام الرأسمالي من أدوات ومفاهيم عامة لتأويل التراث وتمثُّل قيم الليبرالية·
 
وحوّلت هذه المتناقضات خطاب النهضة إلى خطاب إشكالي ولدت معه عوائقه الإبستمولوجية الخاصة، إضافة لعوائقه الموضوعية القائمة في الشروط الاجتماعية والسياسية والثقافية الداخلية والخارجية، وبعد قرن من تاريخ النهضة يعيد الفكر العربي المعاصر قراءة إشكاليات عصر النهضة بطريقة نقدية·
 
نحن نعتقد أن تعثُّر النهضة العربية الحديثة وما ينشأ عنه من مشاكل حضارية وفكرية··· راجع إلى أن الظروف الموضوعية التي حركت النهضة العربية الحديثة قد جعلت من آلية النهضة آلية للدفاع أيضاً، وبالتالي فعملية الرجوع إلى الأصول وإحياء التراث التي تتم في إطار نقدي ومن أجل التجاوز في حال النهضة، قد تشابكت واندمجت مع عملية الرجوع إلى الماضي والتمسك بالتراث للاحتماء بهما أمام التحديات الخارجية، فأصبح الماضي هنا مطلوباً ليس فقط من أجل الارتكاز عليه والقفز إلى المستقبل، بل أيضاً وبالدرجـــة الأولـــى مـن أجـل تدعيم الحاضر من تأكيد الوجود وإثبات الــذات (6)·
 
لقد تجاوز المفكر النهضوي التأخر، إما بالهروب إلى التراث الإسلامي، أو إلى المستقبل - الحاضر الأوروبي -، فكان المثال المنشود مفارقاً للواقع، الأمر الذي جعل من خطابه خطاب تضمين لا خطاب مضمون(7)، لأن قراءته للتاريخ كانت قراءة أيديولوجية لم تعر التعاقب والتزامن والقيمة النسبية للتجارب العالمية اهتماماً خاصاً، بل أخضع التاريخ مقدماً لحاجات الحاضر الملحّة· وكان لهذا الاتجاه نتيجتان سلبيتان، تمثلت الأولى بتحول كل من الماضي الإسلامي أو الأوروبي إلى ماضٍ مطلق لا بد من استلهامه بالكامل دون أدنى اعتبار لقيمته النسبية، أما الثانية فتمثلت بارتهان مشروع النهضة لعوامل مفارِقة للواقع العربي تحكَمت به ومنحته رؤية حديثة للتعرف على ذاته·
 
انعكست هذه المفارقات على المثقف النهضوي، فكان المثقف السلفي مثقفاً تقليدياً حافظ على الاستمرارية التاريخية للطبقات المحافظة الإقطاعية والأرستقراطية، وندد بالتغيير والتقدم على الطريقة الغربية، كما مارس الانتقاء والتوفيق بين الماضي والحاضر، ودعا لتفعيل البنى التقليدية الآيلة للسقوط· أما مفكر التيار الليبرالي فقد استبق تبلور طبقته البرجوازية الوسيطة فبشّر بقيمها وعاش مستقبلها، وأصبحت النهضة أيديولوجيا ويوتوبيا لهذا النخبة التي تجاوزت تأخر مجتمعاتها بتصوّراتها للتقدم المستلهَم من خارج الفضاء العربي·
 
لقد تحرر المثقف النهضوي في سياق هذا المشروع الأيديولوجي من شروط التاريخ، فانتقى ووفّق وتعسّف في المقدمات، والنتائج، والثنائيات أو الأزواج المفهومية العربية، ومعاينة التقدم الأوروبي، والحلول المقترحة لتحقيق النهضة· وأغفل الذين دعوا للقيم الليبرالية الغربية القاعدة المادية التي أنتجت تلك القيم، ممثلة بالمؤسسات والمجتمع المدني الحديث، كما أغفلوا في غمرة حماسهم الليبرالي أن أوروبا الرأسمالية كانت تتنكّر لقيم الحرية والمساواة وعصر التنوير بالاستعمار ونهب الشعوب· أما الذين دعوا لإحياء التراث وبعث الإسلام الأول - إسلام السلف الصالح - فقد جانبوا الحقيقة، لأن الإسلام التاريخي لم يكن بهذا البهاء والإشراق··
 
رغم الاستمرارية التي عرفها الخطاب السلفي فإن الصيغة السجالية والنضالية التي طبعته جعلته غير قادر على بناء منظومة نظرية متماسكة متّسقة، فروّاد السلفية منذ الأفغاني إلى رشيد رضا، إلى المودودي، ردّدوا وما يزال أتباعهم يرددون شعاراً سياسياً واحداً، هو أن الإسلام شكّل عنصر قوة وتقدم للعرب والمسلمين في الماضي، وأن التخلي عنه اليوم هو ما يفسّر أحوالهم المنحطّة والمتأخرة، ومن هنا ضرورة العودة إلى أصوله للتمكن من تحقيق النهضة (8)·

Pages