تتألّف هذه الدراسة من خمسة فصول وخاتمة، عالج الفصل الأوّل الإطار النظريّ، والظروف الفكريّة لأديب إسحق، ممثّلاً بفكر النهضة كإطار عامّ، ومن ثم نشأة تيارات الفكر العربي الحديث وتبلورها، وبخاصة الاتّجاه السلفيّ والاتّجاه الليبراليّ الذي انتمى إليه أديب إسحق، و
You are here
قراءة كتاب أديب إسحق: مثقف نهضوي مختلف
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
التيار الوطني الليبرالي
تكوّن التيار الوطني الليبرالي في الفكر العربي الحديث من المثقفين المسيحيين في لبنان وسوريا الذين هاجروا إلى مصر لما كانت توفّره حينذاك من إمكانات اقتصاديّةٍ وثقافيّة، كاستعمال اللغة العربية لغة رسمية مقابل اللغة التركية في سوريا ولبنان، وتمتّعها باستقلال (شبه حقيقي) أرساه محمد علي باشا عن الآستانة·
إذ رفض هؤلاء المثقفون انتماءهم لمجتمع مغلق يتكون من الملل والمذاهب الدينية الاسلامية والمسيحية المتنافسة تغذي صراعها البعثات والإرساليات الغربية، وقويت عزيمتهم أخيراً ببروز مجموعة من العلمانيّين المسلمين في مصر مثل أحمد لطفي السيّد وطه حسين·
لقد مثّل التيار الليبرالي تحدّياً للتيار السلفي، واستجابة للمتغيّر الغربيّ، فكان أكثر إحاطة بواقع التأخرّ العربيّ، وضرورة التقدّم والنهضة، وقدّم مشروعاً نهضوياً في حدود إمكاناته وما أتاحه الزمن الرأسمالي من أدوات تعبير ومقولات فكرية دون إغفال العوائق المعرفية التي صاحبته·
واستمد هذا التيار منظومته المعرفية من الليبرالية الغربية؛ بنقلها وغرسها في البيئة العربية للتخلص من التقاليد الموروثة الداعمة للتأخر والجمود أولاً، وإفساح المجال للنهضة حسب النموذج الغربي ثانياً، فاهتم بجميع جوانب النظرية الليبرالية وتجلياتها في الفكر الغربي الحديث، واستنبط من تاريخها مستقبله ومآل حركة التاريخ العربي·
وكانت الصحافة باعتبارها رسالة نبيلة تستهدف التنوير والتهذيب، هي الوسيلة الأساسية للترويج لقيم الليبرالية، إلا أن مقتضيات العمل الصحفي وشروطه كالتعميم، ومتابعة الأحداث الساخنة، والسرعة في النقل والنشر، أعاقت صياغة مذهب متسق لمشروع النهضة، فبقي المفكر الليبرالي داعية أيديولوجيا يتغنى بالتغيير والإصلاح الشامل أكثر من اهتمامه بالتحليل والتركيب وصياغة المفاهيم·
واستعارت الصحافة الليبرالية تقاليد الصحافة الغربية، وأضحت رمزاً للتحرر والتغيير، واستقطبت الكتاب والقرّاء دعاة التجديد والحرية، وناقشت قضايا الحرية والعلم والنهضة والعقل وبرز من هذه الصحف: المقتطف، والتقدم، والعصور، والجامعة، والجريدة
وحلّل المفكر النهضوي أديب إسحق التأخر العربي مستعرضاً أسبابه الكامنة والفرصة التاريخية لتجاوزه، فندّد بالاستبداد السياسي والاجتماعي، والجهل، وسيادة التقاليد، والفتور العام، ودونيّة المرأة، والميتافيزيقا بكل أشكالها ومستوياتها، ودلّل على أن الدواء الشافي يكمن في تبني قيم الحرية والعلم والعقلانية والعلمانية باعتبارها مفاتيح التقدم والنهضة·
واستشعر إسحق أهميته في تنوير الشعب الغارق في الأمية والجهل، فترددت في خطابه مقولات الحرية والتربية الخلقية وتهذيب النفوس أكثر من غيرها، واتسم الخطاب بنفحة أبوية مثالية تستهدف وعْظ الجماهير وإرشادها، وهو يقول في ذلك فآليت ألا أمسك القلم عن تهيئة الخواطر لثورة الأنفس حتى أرى في منبتي ما رأيت في غيره من محاسن آثارها، وألاّ أعدل عن مقارعة الظالمين حتى أرى قومي أمة تقول ما تعتقد، وتأخذ بما تقول، وألا أبرح متوسلاً نبهاء الشرق لحرمة المجد القديم ووحدة الذّل الجديد أن يضرموا في القلوب نار الغيرة والحمية حتى أرى الشرق وطناً عزيزاً (9)·