You are here

قراءة كتاب أستيك الحاج فياض

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أستيك الحاج فياض

أستيك الحاج فياض

هذه الرواية، تروي مسيرة فردة الحذاء تلك طوال فترة ثمانين عاماً، على أمل أن أتمكن من رواية مسيرة فردة الحذاء الثانية في رواية لاحقة.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

أستيك الحاج فياض [فرعة اليمين]

أستيك ـ بسطار ـ مركب ـ مْداس ـ بوط ـ نعل ـ حذاء.
إنها حكاية الكابوس الذي ـ جثم ـ ناخ ـ ربخ ـ ربض على صدر الشرق منذ النير العثماني حتى بزوغ المقاومة.
بعد يوم نضالي طويل في أواخر حزيران 1967 أمضيناه ونحن نجوب شوارع بودابست، من سفـارة إلى سفارة حتى وصلنا إلى السفارة المصرية حيث كانت نهاية المطاف لمظاهرة شارك فيها أغلب الطلبة الأجانب الذين يدرسون في جامعات بودابست. طبعاً لم يشارك أي مجري في تلك المظاهرة. وبعد أن نددنا وتوعدنا وهددنا جميع السفارات التي اعتبرناها تلقائياً مسؤولة عن الهزيمة في تلك الحرب.
في السفارة المصرية وقف السفير على شرفة مطلة على الباحة حيث تجمهر الطلاب. وأعلن أمامنا بالفم الملآن أن الحرب لم تنته بعد، وأن سيناء لم تسقط لأن حضرته وقبل أن يعيّن سفيراً منذ عدّة أشهر كان قائداً عسكرياً بمنطقة سيناء. وهو عرف مواقعها العسكرية ومخابئ الذخيرة. ورغم أن إسرائيل وصلت إلى قناة السويس لكنّه متأكد بأن سيناء لم تسقط وأن المعركة طويلة ونحن الشباب سنكون وقودها ونحن سنحرر سيناء.
وما كاد ينهي كلامه حتى تعالى الصراخ في وجهه وهجم الطلاب العرب محاولين الوصول إليه ولكن حرس السفارة من الشرطة المجرية منعتهم من ذلك وأدخلته إلى داخل السفارة. ومن لم يبحّ صوته من الهتاف طيلة النهار ضد الصهيونية والاستعمار بحّ صوته من الصراخ بالشتائم للسفير المصري ومن هم على شاكلته. وأنا من الذين بحّ صوتهم من السباب لذلك السفير لا من الهتاف ضد الاستعمار.
وتفرقنا وعاد كل منا إلى بيت الطلبة حيث يسكن، وكنا منهكين، كاظمين، يائسين ذليلين لا يكاد أحدنا يتطلع إلى وجه زميله، حتى أنّنا نخشى أن نتطلع في وجوه المجريين خشية أن يكتشفوا أننا عربْ، أو على الأقل كنا نوهم أنفسنا بذلك. لأن الأجانب كانوا نادرين في بودابست في تلك الأيام لذلك كان من السهل أن نتبين الطالب العربي ونعرفه من سحنته عن بعد عشرات الأمتار والغريب بالأمر أنّه من كان أشدنا كرهاً لعبد الناصر كان أكثرنا انكساراً أمام الهزيمة. وأذكر. طالباً سورياً يدعى جوزيف بصل كان يكره عبد الناصر كثيراً. ولكن عندما أعلن استقالته كان يصرخ في بيت الطلبة باكياً كالأطفال وبعدها أغلق باب غرفته على نفسه لعدة أيام.
أثناء الحشد لتلك الحرب كنا ننتظر على أحرّ من الجمر تلك المعركة التي ستقصم ظهر إسرائيل على الأقل، إذا لم تقض عليها نهائياً. هذه كانت وجهة نظري عندما كنت أتناقش مع الطلبة المجريين وبالأخص أستاذ مادة الفيزياء الذي تعرّفت إليه أثناء دراستي في المعهد التحضيري للطلبة الأجانب قبل دخول الجامعة حيث كان يدرّس هذه المادة وبعدها صادف أنّه كان أستاذاً في السنة الأولى الجامعية فرع الكهرباء. وكانت تربطني به صداقة جيدة بالرغم من أنّه يهودي لكنّه لم يكن صهيونياً في ذلك الوقت.
وأذكر أنّني في صبيحة الخامس من حزيران كنت أتقدم لامتحان في مادة الفيزياء عند أستاذ آخر وحوالى الساعة الحادية عشرة كنت أتقدم للامتحان الشفهي وعلى وشك أن انتهي من ذلك عندما دخل إلى الغرفة وسألني إنْ كنت أنهيت الامتحان فأجبته بالإيجاب فدعاني إلى تناول فنجان قهوة في مقهى قريب من الجامعة ولما وصلنا إلى هناك كان جميع من في المقهى متحلّقاً حول المذياع يستمعون إلى الأخبار التي تتوارد تباعاً عن سير المعارك بين الجيشين المصري والإسرائيلي والأخبار ترد بالتتابع عن عدد الطائرات الإسرائيلية التي أسقطها الجيش المصري ففرحت كثيراً للأمر ولكن صاحبنا طلب إليّ الهدوء قائلاً: «لقد وقع عبد الناصر في الفخ» ودار بيننا جدل طويل لم ينقطع منذ أن تعارفنا في المعهد التحضيري منذ ما يقارب السنة ونصف السنة ووجهة نظره أن إسرائيل تشكل خطراً على العرب والمعسكر الاشتراكي واليهود وكلما قويت إسرائيل سيسهل استقطاب اليهود في العالم وخاصة في دول أوروبا الشرقية ويؤدي ذلك إلى سلخ اليهود عن مجتمعاتهم وإدخالهم في دوامة جديدة مشابهة للدوامة التي كانوا يعيشونها حتى الحرب العالمية الثانية حيث استقروا بعدها في مجتمعاتهم بعد هزيمة النازية. لقد استُدرج عبد الناصر إلى هذه المعركة لضرب جيشه اذ كيف يعقل لجيش أُنهك في حرب اليمن ويجري سحبه مباشرة إلى سيناء ليخوض معركة؟
كان صاحبنا يعتقد حتى الخامس من حزيران باستحالة وقوع الحرب ذاتها. وأنها مناورات وضغوطات سياسية لكنّه الآن تأكد بأنّها كانت عملية استدراج ووقعت الواقعة وانتهت الحرب. طبعاً لم أوافقه على ذلك وكنت أناقشه بحدّة، وهو يطلب مني دائماً عدم الانفعال.
لكنّه كان يخشى كما كل المجريين من خطورة الوضع يخافون من التشابه بين حرب السويس عام 56 والأحداث الدامية التي وقعت أثناءها في المجر من حرب أهلية طاحنة، لذلك عم الخوف والإرباك في المجر وأعلنت التعبئة العامة تأهباً لخوض معركة قد تفرض عليهم رغم إرادتهم بين حلف وارصو والحلف الاطلسي وبدأت ترى في الشوارع ليلاً دوريات مسلحة راجلة للحرس الشعبي وهذا ما لم تكن تشاهده من قبل.
لقد عاش المجريون خوف من عاش الحرب وويلاتها أما أنا فلم أعرف الخوف لأنّني لم أعايش الحرب بل عرفت الخيبة ومرارتها. لذلك دفعتني الخيبة إلى قرار الذهاب إلى لبنان مع أنّني لم أكن قبلها قد فكرت بالسفر إليه في ذلك الصيف.
توجهت في اليوم التالي إلى السفارة التركية الموجودة في الشارع القريب من بيت الطلبة حيث أسكن وكنت أمر من أمامها في كل يوم تقريباً وأحياناً أكثر من مرة في اليوم الواحد، وكنت أشاهد أمامها رجلاً كهلاً بحيث ألِفت شكله لكثرة رؤيتي له، فدنوت منه وحييته هذه المرة وقد يكون هو الآخر قد ألفني كذلك لكثرة مشاهدته لي، فردّ التحية بوجه بشوش وبلغة مجرية مكسّرة وبلَكْنَة الأجنبي. فقلت له أريد أن أدخل لأحصل على فيزا إلى تركيا فأشار علي أن أذهب إلى موظفة الاستعلامات في الداخل فدخلت ودخل الرجل ورائي. فعرضت على موظفة الاستعلامات الأمر وتقدمت لها بجواز السفر فلما شاهدته وقلبته سألتني بلغة مجرية صحيحة عربي؟ لبناني؟. فأجبتها بالإيجاب، فأخذت الجواز ودخلت به إلى الغرفة الداخلية لتحضر لي المستندات المطلوب مني تعبئتها وتوقيعها كما هي العادة وجلست انتظرها وصاحبنا يجلس قبالتي يتمتم بكلمات خافته ولما دخلت الفتاة إلى الغرفة بدأ صوته يعلو بالسباب للعرب واللبنانيين باللغة المجرية والتركية والعربية فتعجبت للأمر لكنّه احتدّ أكثر وكاد أن يتجه نحوي ليضربني وعاد للسباب مرة ثانية ولكن بتوسع أكثر. استطعت أن التقط بعض الكلمات المجرية والعربية فسألته إن كان يجيد العربية فاعتبرها صاحبنا إهانة له أن أسأله مثل هذا السؤال ولكنني أجبته باللغة المجرية لماذا أنت حاقد على العرب إلى هذا الحد.

Pages