You are here

قراءة كتاب تحت حوافر الخيل ومتراس أبو فياض

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تحت حوافر الخيل ومتراس أبو فياض

تحت حوافر الخيل ومتراس أبو فياض

المجموعة القصصية («تحت حوافر الخيل»، و«متراس أبو فياض») الصادرة عن  دار الفارابي، أبدع الكاتب الراحل محمد عيتاني فضاءات ثقافية خصبة وأصيلة بشكل عادي، في القسم الأول من المجموعة: «تحت حوافر الخيل» حت

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

تحت حوافر الخيل

لو أردت الآن أن أبحث عن بداية هذه المشكلة ـ التي لا أدري كيف أصفها ولا ماذا أسميها ـ والتي كانت في البدء رفيقاً عابراً لعائلتنا، ثم أصبحت كابوسنا والسيف المسموم المسلَّط على مصيرنا، لضعت في كل سبيل. لقد ترعرعت، على كل حال في بيت غير بعيد عن ألعاب القمار، لقب الورق بمختلف أنواعه، والمراهنة على الخيل في السباق، أما طاولة الزهر ـ اللعب عن مصاري ـ فكانت شيئاً عادياً في منزلنا قرب المنارة. كان والدي صاحب مقهى على ساحل الروشة، وكان من المقامرين الأفذاذ المشهورين، وكان مرجع مقامري المحلة والمحلات المجاورة، في المدينة يعطي المراهنين كل يوم جمعة أو سبت «تعليمات» غالباً ما كانت تصيب. وهذا ما زاد في إقبال هواة سباق الخيل على الوالد الكريم، ومما جعل مقهانا ومنزلنا وحيثما وجد والدي، مقصداً لمختلف أنواع الناس.
في البدء، كما أذكر، وكنا بعد أولاداً صغاراً حاولت أمي أن تقاوم أبي وتمنعه من لعب القمار بجميع أنواعه. وكانت امرأة قوية العزم، شديدة الوطأة، ذات عائلة قوية، ولم تكن عائلة والدي لتقل عنها قوة على كل حال، وكما أذكر، كنت مساء كل خميس أختار في زاوية المنزل، المحاط بحديقة جميلة من شجر البرتقال والأكي دنيا والتين، مكاناً خاصاً للنوم: فغداً يوم الجمعة، أي يوم عطلة. وأمي كانت تسميه «يوم الصرعة». ليلة الجمعة كنت لا أنام في فراشي العادي قرب أخوتي الصبيان، في الغرفة الداخلية، بل كنت، منذ مساء الخميس، ليلة الجمعة، أرقد على طاولة «تجليلة الفرشات»، وهي طاولة مستطيلة، عليها طراحة بيضاء بسيطة، والغطاء متوفر طبعاً. فالليلة مباركة.
كانت الطاولة موضوعة في زاوية ضائعة بين الكراسي والكنبايات، مما يجعل النوم عليها اختباء على طريقة الجن. والليلة مباركة، وغداً يوم الجمعة، الفطور فول بزيت وبندورة. ووجدت صعوبة في إقناع أمي، في البدء، لتسمح لي بالرقاد وحدي على تلك الطاولة. كنت أرتاح وأبتهج بالانفراد. لعلّي كنت في الحادية عشرة أو الثانية عشرة في تلك الأيام. لكن في صباح يوم الجمعة ذاك حضر ثلاثة من أخوالي ولم يمازحونا أو يلاعبونا، كما اعتادوا، بل قالوا لوالدي إنهم يريدون محادثته في أمر مهم. لم يرضوا أن يشاركونا «الترويقة». وحتى والدتي كفت عن الإلحاح في دعوتهم للمشاركة في الطعام، حين قال خالي الأكبر ابراهيم.
ـ لنا كلمة معك يا أبا زكريا.
قال أبي، بلهجة غير ودية، كما أذكر:
ـ تفضل تكلم.
ـ الأفضل أن نذهب إلى مكان آخر، أو غرفة أخرى.
ـ ولماذا الغرفة الأخرى؟ تكلم هنا.
قال خالي الثاني محمد علي، وكان أقل حدة:
ـ لماذا إدخال الأولاد في شؤوننا يا أبا زكور؟
تعالَ بنا إما إلى الدار، (كنا نتناول طعام الفطور في المطبخ) وإما إلى الحديقة.
أجاب والدي: «الأولاد فتيان صغار. لا يفهمون في هذه الأمور. وعلى كل حال تستطيعون أن تتكلموا». واتضح تماماً من لهجته أنه لا يريد أن يتحرك من مكانه. قال خالي الأصغر قاسم، بحدة الشباب:
ـ يجب أن نكلمك على انفراد. دون أن يسمع الأولاد، وذلك من أجل كرامتك.
توقف والدي عن مضغ لقمته. وحدج خالي قاسماً بنظرة حاول أن تكون هادئة لكنها كانت، رغماً عنه، مفعمة بغضب مكبوح وتهديد بكسر العظم، مبطن قليلاً.
ـ الموضوع كله مفهوم. وباستطاعتي أن أعطيكم جواباً مختصراً مفيداً. خيطوا بغير هذه المسلة! أنا حر في أموالي وأملاكي. والعمل في المقهى والحمد لله يسير على ما يرام. وهل قصرت يوماً بحق أختكم أو أولادها؟
أذعن أخوالي لرغبة والدي في مناقشة الأمر بحضورنا. كان أكبر أشقائي الصبيان زكريا في الخامسة عشرة. وكنا خمسة صبيان وأربع بنات.
قال خالي الأكبر: الذي يدهشني أنك رجل متدين، متمسك بأركان الإسلام، ومع ذلك تسمح لألعاب السباق والقمار أن تسلبك باستمرار قسماً كبيراً من أموالك.
أجابه والدي وهو يسوي، دون قصد طربوشه، مسدداً إياه إلى الامام بحيث أصبح الطربوش، يتخذ موقف التحدي لأخوالي الثلاثة:
ـ المثل يقول: ساعة لك. ساعة لربك.

Pages