قراءة كتاب الآباء اليسوعيون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الآباء اليسوعيون

الآباء اليسوعيون

"الآباء اليسوعيون"؛ هذا كتاب خارج عن المألوف بموضوعه ومضمونه.

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

يقول المؤرخ هرقل رازييل (Hercule Rasiel) إنّ «هذه الإجراءات نجحت في تحويل بعض اليهود من الكنيس إلى الكنيسة، ولكنها فشلت في هدايتهم. تسرّعت الكنيسة الكاثوليكية في الإعلان عن انتصارات عظيمة ولكن وهمية، مكتفية بالقشور دون الغوص في الحقائق والوقائع». ولكن الهجوم الصاعق أتى من أحد مقرّبيه أنطونيو أرأوز الذي شنّ حملة شعواء ضد التحاق المهتدين الجُدُد بصفوف الرهبانية اليسوعية، وهو الذي كان الأكثر تعصباً ضد اليهود، مهاجماً، دون هوادة، المتحدرين من أصل يهودي في الرهبانية اليسوعية أي لينيث وبولانكو خصوصاً.
إن القبول باليهود لم يكن ليلقى في تلك الأيام رضا السلطات الإسبانية، كما البابوية، مع أنّ الكرسي الرسولي كان قد أظهر في بعض الأوقات نحو اليهود مشاعر إنسانية عندما سمح باستقبال المبعدين والمنفيين منهم في روما وأفينيون. تجدر الإشارة إلى أن البابا إسكندر السادس المولود من عائلة بورجيا الإسبانية أطلق على فرديناند وإيزابيل لقب «الملكين الأكثر كاثوليكية» تحية منه إليهما على قرار أصدراه عام 1492 والذي أكد ضرورة تحوّل اليهود والمسلمين إلى المسيحية تحت طائلة العقوبات الصارمة. ثم أتى البابا بولس الرابع الذي كان يتحدر من مدينة نابولي في إيطاليا، والمناهض بشدة للإسبان بحيث أنه كان يشتمهم قائلاً: «إنهم حثالة من بقايا المغاربة واليهود». هذه هي نقطة الخلاف الكبرى بين بولس الرابع وأغناطيوس، بولس الرابع (كارافا)، هذا الذي جعل منه الكرادلة في روما خليفة بطرس على عرش روما.
كان عدد المهتدين الجُدُد في قرطبة كبيراً، وكانت تحكم المدينة عائلة الكونت دو برييغو النافذة التي منحت الرهبانية اليسوعية هبات كثيرة بواسطة الكونتيسة دي برييغو. هذا الأمر جعل هذه الأخيرة تعتقد أنه بإمكانها الطلب من الأب الرئيس منع انتساب المهتدين الجُدُد من أصل يهودي إلى رهبانيته، يدعمها الرئيس الإقليمي للرهبانية والأب أرأوز. إن الرسالة التي وجهها رئيس معهد قرطبة إلى ثاني خلف لأغناطيوس الأب فرنسوا دي بورجيا خير معبّر عن الوضع القائم عندما قال إن مؤسسته تضم أكثر من 600 طالب كلهم من النبلاء ولا أحد أعرب عن نيته في الالتحاق باليسوعيين. أضاف رئيس معهد قرطبة: إن «الذين عندهم الدعوة يلتحقون بدير سان بابلو التابع للرهبان الدومينيكيين، بينما في معهدنا، اليهود وحدهم يلتحقون بالرهبانية اليسوعية، وإذا التحق أحد الشجعان على الرغم من ذلك يُنظر إليه وكأنه يرتدي الثوب الأصفر الذي يوجد عليه من الجهتين الأمامية والخلفية صليب القديس أندريه، الذي يعني ارتكاب جريمة خطيرة».
فوق باب إحدى الغرف الثلاث في شارع الروح القدس (4, borgo Santo Spirito) وحيث يعيش الرئيس العام للرهبانية اليسوعية، توجد صورة دييغو لينيث خلف أغناطيوس الذي حاول خلال تسع سنوات (1556-1565) إثبات أن وفاة دي لويولا لا تعني إطلاقاً موت الرهبانية اليسوعية. لينيث هو من عظماء الرجال الذين لم تكرمهم روما، ربما بسبب أصوله اليهودية التي تسببت بنقاشات حادة بين مؤرخي اليسوعية، وبالتخوف من الإساءة إلى الرهبانية في حال ظهرت هذه الحقيقة إلى العلن. ففي عائلة لينيث يوجد ثلاثة كهنة وراهبة، مما يلقي بعض الضوء على إسبانيا في القرن السادس عشر، بعد مضي عشرات السنين على إعلان مرسوم عام 1492.
في العام 1908 قال الأب بالاسان واستناداً إلى الأب أنطونيو أسترين12: إن «اهتداء أفراد عائلة لينيث إلى المسيحية تعود إلى أربعة أجيال». أما المؤرخ الإيطالي المعروف تاتشي فنتوري فإنه يلوم بدرو دي ريبادينيرا لأنه لم يتجرأ كمؤرخ على أن يتطرّق صراحة إلى موضوع حساس كهذا، وهو الذي عاصر الأب المؤسس أغناطيوس ومن بعده لينيث. ولكن أفضل برهان على يهودية هذا الأخير الغضب العارم في بلاط إسبانيا وفي أسقفية توليدو بعد انتخابه رئيساً عاماً للرهبانية اليسوعية وإعلان أصوله اليهودية على الملأ، مما أثار فضيحة كبرى بعد نصف قرن على موته. وخلال عاميّ 1614 و 1622 على التوالي، نشر في أنفيرس أول جزءين من «تاريخ اليسوعيين» الذي كان قد عُهد بكتابته قبل عشرين سنة إلى الأب أورلنديني الذي استلم هذه المهمة بعد وفاته وأكملها من بعده، أستاذ التاريخ في المعهد الروماني الأب باولو ساشيني الذي عُرف العمل باسمه. إلتحق هذا الأخير بالرهبانية بعد مرور خمس سنوات على وفاة لينيث أي عام 1570 واستمع إلى رفاقه وخصوصاً ريبادينيرا الذي كان قد ورث عن أغناطيوس نظرة إيجابية إلى الموضوع اليهودي المسيحي. لذلك تفاجأ ساشيني بالعاصفة التي أثارها كتابه في إسبانيا خصوصاً في الأندلس وتوليدو، وسيل الاعتراضات التي تلت نشره، مطالبة بحذف المقاطع المتعلقة بأصول لينيث اليهودية.
طلبت مقاطعة توليدو تصحيح النسخة الأولى المعيبة وأعادت التركيز في النسخة الثانية على طهارة سلالة الأب لينيث ونبلها، فجاء رد باولو ساشيني على آباء توليدو مشدداً على احترام التفاصيل التاريخية وأهمية نقلها بكل مصداقية، خصوصاً أنّ المؤرخ أب يسوعي، معرباً عن فخر الرهبانية اليسوعية واعتزازها بالأب الرئيس لينيث رفيق ووريث أغناطيوس دي لويولا. من جهته الأب فليتشيانو سيريسيدا حاول تبرير إعلان الآباء اليسوعيين في توليدو عام 1622 بالاشمئزاز الذي أعرب عنه بلاط فيليب الثاني ملك إسبانيا بعد انتخاب لينيث.
لكنّ الجنرال السادس لليسوعيين الإيطالي موتزيو فيتليتشي، ومن أجل تهدئة خواطر الآباء اليسوعيين في توليدو، ونظراً للصعوبات والمشاكل العرقية التي كانت تعصف بإسبانيا في تلك الفترة، طلب حذف جميع المعلومات المتعلقة بأول خلف لأغناطيوس. كل هذه الحلقة من الخلافات والاضطرابات أدت إلى اعتماد نقاوة الدم بعد أعمال مؤتمر الرهبانية اليسوعية عام 1593. ويمكن للمراقبين الرجوع إلى العقلية والأوضاع المظلمة السائدة يومها من أجل تبرير لجوء الرهبانية إلى نقاوة الدم عام 1593، ولكن هذا لا يفسر انزلاق اليسوعيين يومها إلى هذا القعر. طوال أكثر من 25 سنة تصدت اليسوعية إلى هذا الهاجس القومي الإسباني، ولكن في النهاية انتصرت نقاوة الدم على ما عداها، كما فعلت عند باقي الرهبانيات الكاثوليكية. ولكن هذه المرة انتقلت العدوى من البرتغال إلى إسبانيا التي عاد اليها فيروس الإقصاء، عندما كتب بلاط لشبونة إلى البابا غريغوريوس الثالث عشر عام 1573 محذراً من احتمال انتخاب بولانكو على رأس الرهبانية اليسوعية، مما قد يؤدي مع انتخاب أشخاص ينتمون إلى هذا العرق من تدمير الرهبانية.

Pages