"الآباء اليسوعيون"؛ هذا كتاب خارج عن المألوف بموضوعه ومضمونه.
قراءة كتاب الآباء اليسوعيون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فبولانكو، هو ثاني كبار اليهود في الرهبانية اليسوعية، ثم خوان دي أفيلا وفرنشيسكو دي توليدو، لكنّ دخول المسيحيين الجُدُد أي الذين هم من أصول يهودية أو إسلامية إلى الرهبانية اليسوعية خلق جواً من القلق والحذر، مما أسهم إلى حد بعيد في إصدار المرسوم رقم 52 عام 1593 والقاضي بإقصاء جميع المتحدرين من أصل يهودي أو إسلامي عن الرهبانية اليسوعية. هكذا تمّت هزيمة أغناطيوس وأفكاره بعد مماته عام 1593 عندما أقرت الرهبانية اليسوعية أو بالأحرى فرعاها الإسباني والبرتغالي مبدأ نقاوة الدم من دون اعتبار أي استثناء، وكانت هزيمة دي لويولا على أيدي «أولاده» وأتباعه. ارتفع صوت ريبادينيرا مستهجناً وداعياً إلى احترام أراء أغناطيوس، موجهاً مذكرة من اثنتي عشرة نقطة إلى الأب الرئيس أكوافيفا مصرّاً فيها على عدم تغيير شروط الانتساب، خصوصاً أنّ «المسيحيين الجُدُد الذين اعتنقوا الديانة المسيحية الكاثوليكية لم يتسببوا لها بأي ضرر أو إساءة»، مع الإشارة إلى أنّ هذه الشروط الجديدة تتعارض مع شرف الرهبانية اليسوعية والأمة الإسبانية. إن قرار الاستثناء العائد إلى عام 1593 حمل في طياته مساوىء كثيرة إضافة إلى انخفاض عدد الدعوات الجديدة كما تدني الانتسابات على الرغم من ملاحقات ريبادينيرا الذي أصبح مسناً، ولم يجد أكوافيفا مخرجاً إلّا بإصدار المرسوم رقم 28 في عام 1608 الذي أبقى على استثناء المسلمين واليهود، ما عدا الذين يتحدرون من «عائلة شريفة» أو يتمتعون بـ«صيت حسن».
إن هذا المرسوم المداور والخبيث والباطني، مع أنه أفضل من مرسوم 1593 بكثير أعاد فتح الأبواب أمام المهتدين الجدد، خصوصاً وأنّ الكثيرين منهم كان باستطاعتهم البرهان أنّ اعتناق عائلاتهم المسيحية يعود إلى أيام صدور مرسوم فرديناند وإيزابيل عام 1492 أي إلى خمسة أجيال مضت. ويمكننا هنا تلخيص هذه الحقبة بصراع اليسوعيين الأسبان ضد دي لويولا، لأنه من المعروف أنّ العلاقات بين اليسوعيين واليهود مرّت بفترة صراعات وخلافات تلتها اضطهادات متعددة.
منذ أكثر من 45 سنة أدلى آباء المجمع الفاتيكاني الثاني بتصريح «حول علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية» من خلال الوثيقة (Nostra aetate) التي تحمل في طيّاتها الكثير من المعاني والدلالات، بحيث كانت هذه الخطوة تعبيراً عن أولى بوادر التقدير والاحترام للديانات غير المسيحية من طرف الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. في هذا الإطار، يقول الأب سليم دكاش اليسوعي13: إن الدافع هو «تعزيز الوحدة والمحبة بين الناس لا بل بين الأمم». إن الكنيسة تعتبر البشر عائلة واحدة وهي «لا ترذل شيئاً مما هو حق مقدس في هذه الديانات» على الرغم من الاختلافات الأساسية في المعتقدات الإيمانية.
إن المقطع الرابع في هذه الوثيقة يتطرق إلى علاقة المسيحية باليهودية، أما المقطع الخامس فهو يؤكد على أن «الأخوة الشاملة تنفي كل تفرقة أو تمييز... على أساس العرق أو اللون أو الانتماء الديني». كما أنّ هذا التصريح المجمعي عندما يتحدث عن أتباع الديانات الأخرى، فإنه «للمرة الأولى، لا ينعتهم بالهراطقة والمارقين بل يعتبرهم شركاء في المصير الواحد، أي مصير البشرية». كذلك فإنّ الأب الرئيس العام المستقيل بيتر هانس كولفنباخ14 يشدّد على أهمية الحوار بين الأديان السماوية قائلاً: «إلّا أن الكنيسة تؤمن بالحوار، كما أنّ قداسة البابا قد أكّد أن الحوار هو روحانية الألفية الثالثة».
في كتاب صدر عن دارالفارابي عام 2012 تحت عنوان: «نور العالم» يتحدث الحبر الأعظم بنيديكتوس السادس عشر15 إلى الصحافي الشاب بيتر سيفالد في قصر «كاستل غوندولفو» مقر الباباوات الصيفي، عن أهم الأمور المطروحة حالياً، من العصمة البابوية وتطور مفهومها عبر القرون، إلى قضايا الاعتداءات الجنسية التي لوثت سمعة الكنيسة الكاثوليكية. يقول الصحافي الشاب: «لم يُحيّ أحد بقوة انتخابك الرئاسي المئتين والخامس والستين كما حيّته المنظمات اليهودية... عندما أصبحت بابا دعوتَ حاخاماً إلى التكلم أمام سينودوس الأساقفة، وأوقفتَ تطويب كاهن فرنسي نُسبت إليه تصريحات معادية للسامية... صحيفة (Süddeutsche Zeitung) تقول: أقرّ قداسة البابا بنيديكتوس السادس عشر أن اليهودية مصدر الديانة المسيحية، إعلان لم يتفوه به أي بابا قبله». يجيب الحبر الأعظم قائلاً: «بالتأكيد. عليّ أن أقول إنّه منذ اليوم الأول لبدء دروسي في اللاهوت عن الوحدة الجوهريّة للعهد القديم والعهد الجديد، أي الجزءيْن اللذين يؤلّفان كتابنا المقدّس، فهمت أنّه لا يمكننا قراءة العهد الجديد إلّا مع قراءة العهد الذي سبقه، وإلّا استحال علينا فهمه. من ثمّ، تأثرنا بالطبع كألمانيّين بما أصابنا في عهد الرايخ الثالث، فألزمنا أنفسنا أوّلاً أن ننظر إلى الشعب الإسرائيليّ بتواضع وخجل ومحبّة». هل هذا يعني أن الباباويّة عادت واعتمدت بعد مرور ما يقارب الخمسماية سنة، نظرية القديس أغناطيوس ورفضه لمبدأ نقاوة الدم؟ وهل هذا يعني أيضاً انفتاح كنيسة الألفية الثالثة على الإسلام واليهودية، والنظرة إلى أتباعهما كشركاء أساسيين في الإيمان الحقيقي بالله الواحد الذي لا شريك له؟ إنها ولا شك أهم خطوة إيجابية على طريق الحوار بين الثقافات والأديان، والسبيل الأنجح من أجل تفادي موبئات التعصب والكراهية والحروب الدينية.