You are here

قراءة كتاب نساء مؤمنات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نساء مؤمنات

نساء مؤمنات

كتاب "نساء مؤمنات"، للإمام يوسف القرضاوي، يقول في مقدمته: كتبت عن الإيمان والحياة ، وعن قضايا الإيمان الكبرى ، مثل قضية وجود الله جل جلاله ، وقضية التوحيد أساس الإيمان ولبه في الإسلام ، وقضية الإيمان بالقدر وغيرها .

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

ميراث وتربية

الخطوط العريضة لمزاج الإنسان وتفكيره ترسمها يد القدر ، عن طريق العوامل الوراثية التي تنقل إليه من أبويه وأجداده ، ما قُدِّرَ له من خَلقه وخُلقه .
والخطوط المفصلة لخُلقه وسلوكه وشخصيته كلها تؤثر فيها إلى حد كبير ، البيئة التي يعيش فيها ، وبخاصة البيت الذي يضمه في صغره . . أي أمه وأبوه .
هذا ما قرَّرته علوم الحياة والنفس والأخلاق والاجتماع.
وهو نفس ما قرره الدين من قبل ، حين اعترف بأثر الوراثة ، فقال : تخيروا لنطفكم . ..
واعترف بأثر البيئة فحذَّر من المرأة الحسناء في المنبت السوء .
وقد تهيأ لفاطمة من المواريث الأسرية أعزَّها وأغلاها ، ومن البيئة المنزلية ، أشرفها وأنقاها .
وما ظنك بفتاة ورثت عن آبائها وأمهاتها ما شاء الله لها من مجادة قريش ، وأريحية هاشم ، وسؤدد عبد المطلب ، وطهارة عبد الله ، ومكارم محمد ، وفضائل خديجة بنت خويلد ، وآمنة بنت وهب ؟
وما ظنك بفتاة تُولد في بيت يعمره الحب ، ويظلّله الصفاء ، بين أب يُلقَّب في قومه بالأمين ، وأم تُلقَّب في أترابها بالطاهرة . هذا سيد شباب قريش ، وتلك سيدة نساء قريش ؟ !
وُلِدَت فاطمة قبيل البعثة بزمن اختلفت في تحديده الروايات : خمس سنوات أو أقل أو أكثر؟ المهم أنها وُلِدَت في تلك المرحلة التي كان القَدَر يُعِدُّ فيها أباها لتلقي أعظم رسالة في الوجود : مرحلة التأمل العميق ، والتعبد الطويل ، والخلوة في غار حراء كل عام ، وفي تمام الأربعين أوحى الله إليه ، وبعثه إلى الناس كافة ، وإلى قومه خاصة ، فشاء الله لفاطمة أن تنشأ في أحضان النبوة ، وتدرج في حجر الرسالة ، وكأنها كانت تكبر مع الدعوة ، وتنمو مع انتشارها .
شهـدت أباهـا ـ واعية أو غير واعية ـ يدعو إلى دينه سراًّ ، ثم يُنذر عشيرته الأقربين ، ثم يصدع بأمر ربه معرضاً عن المشركين ، منادياً على جبل الصفا ، ثم يحمى الوطيس بينه وبين قومه فيُسفِّه أحلامهم ، ويهزأ بأصنامهم ، ويُضلِّل آباءهم ، فيعنفون عليه في الخصومة ، ويناصبونه العداء ، ثم يدخل الشِعب ، فتدخل معه ومع أمها وأخواتها ، وتذوق مرارة الجوع ، وتحس ألم المقاطعة والحرمان ، ويتجرع كئوس الأذى في نفسه وأصحابه ، بالقول السيئ تارة ، وبالفعل القبيح طوراً .
ترى الفتاة كل هذا ، وتحسه ، وتلمسه ، ويفعل ذلك في قلبها فعل التيار الكهربائي في الأسلاك ، وتسهم في درء الأذى عن أبيها ، حيناً بيديها ، وأحياناً بدموع عينيها ! ! وماذا تملك جويرية صغيرة لأب عطوف يُؤذَى أمام سمعها وبصرها ، إلا عَبرات تذرفها ؟ !
كان عليه السلام يُصلِّى يوماً بالكعبة ـ وبعض سفهاء المشركين جالسون ـ فانبعث أشقاهم فأتى بسلا جَزور فألقاها عليه ، فلم يزل ساجداً حتى جاءت فاطمة فأزالت عنه الأذى .
وكانت أم جميل امرأة أبى لهب تلقي الأقذار والنجاسات أمام بيته ، فيزيلها في هدوء ومعه فاطمة تحاول أن تعيد إلى المكان نظافته وطهارته .
ولقيه مرة سفيه من سفهاء قريش ، فرمى على رأسه تراباً ، فرجع إلى بيته والتراب على رأسه ، فقامت إليه فاطمة فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ـ وأشق شىء على نفس الأب أن يرى دموع بنيه الصغار ، وأشق منها أن يرى دموع بناته الصغيرات ، وأشق من هذا وذاك أن تكون هذه الدموع من أجل الأب نفسه ـ فما رأى النبي الكريم دموع ابنته على خديها حتى ثبَّت فؤادها ، وقال لها مبشراً : لا تبكي يا بنية ، فإن الله مانع أباك .
وظلت الرحى دائرة بين النبي والمشركين ، إيذاء من جانبهم ، وإصرار من جانبه ، حتى كانت الهجرة إلى المـديـنـة ، حيـث هـاجـر ومـعه أبو بكر ، ثم بعث زيد ابن حارثة وأبا رافع إلى مكة ليأتيان بأهله ، ففعلا ، وقدما عليـه المديـنة بزوجـته سـودة بنت زمعـة ، وابنتيه فاطمة وأم كلثوم ، واستقر بهم المقام في الدار الجديدة للإسلام .

Pages