كتاب " الكرد والسياسة الخارجية الأمريكية " ، تأليف ماريانا خاروداكي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب الكرد والسياسة الخارجية الأمريكية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الكرد والسياسة الخارجية الأمريكية
3 مراجعة الأدبيات عن الكرد والقضية الكردية واللاعبين ذوي الصلة
إن تعقيد القضية الكردية ظاهر أصلاً في المصطلحات المختلفة المستخدمة في الأدبيات، من «المسألة» إلى «المشكلة» أو «الحالة». ولا يقدّم أي تعريف واحد حلاً. ويشرح الفصل الثاني المعنى المزدوج للقضية الكردية باعتبارها «قضية» و«قضايا» في آن. كذلك يتم توضيح الصفات الكثيرة المعزوَّة لها، مثل «المسألة» أو «المشكلة» أو «الحالة» في القسم التالي.
برزت القضية الكردية كحالة حساسة منذ أيار 1916 (9)، أي بعد تفكيك الإمبراطورية العثمانية إلى دوائر نفوذ من قبل القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وهم الفرنسيون والروس والبريطانيون، الذين تنافسوا على التحكم بالتركة العثمانية(10). وقسّمت اتفاقية سايكس – بيكو السرية للعام 1915 بين فرنسا وبريطانيا منطقة الشرق الأوسط إلى دوائر نفوذ لكل من الطرفين، وكما نصَّت على سيطرة إدارية. وأخذ الأمر شكلاً عملياً حين كلِّفت بريطانيا بالانتدابين على فلسطين والعراق(11) في مؤتمر سان ريمو في العام 1921. وبالنسبة إلى البريطانيين كان الكرد في تلك المرحلة أمة موجودة تحتاج إلى الاستقرار في أرضها الخاصة بها من ضمن الدولة العراقية الوليدة. لكن في المؤتمر الذي أعقب الحرب، تراجعت القوى العظمى في ما بعد عن قرارها الأولي بإعطاء الكرد دولة، خوفاً من التداعيات المحتملة لهكذا قرار على قابلية العراق للحياة كدولة (في ضوء موقع حقولها النفطية في الشمال) وعلى التوازن الإقليمي للقوى (استجابة لمطالب أتاتورك وحساباته حول أهمية الدولة التركية الوليدة)، وبسبب انقسام الكرد الذي أفضى في نهاية المطاف إلى تفرقهم وبروز أربع مجموعات في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى.
وهكذا أدّى تشكيل المصالح هذا في سياق خلق نظام شرق أوسطي جديد إلى أن أصبح الكرد موزعين في خمس دول. وإضافة إلى الاتحاد السوفياتي السابق، أصبحوا مشتتين في العراق وسوريا وتركيا وإيران. وخدمة لأغراض هذا الكتاب، كانت الدول الأخيرة في الواقع البلدان التي ستبرز فيها أربع قضايا كردية. لكن لدى كتابة هذه السطور، أعاد الأمل في «كردستان الكبرى» والذي يحتمَل أنه اتسع في بعض المناطق (بما أن الأدلة ملتبسة)(12) منذ تأسيس الحكومة الإقليمية لكردستان في شمال العراق (أيار 1992)، ضخ مقدار من الوحدة في الحركة الكردية، فأصبح ممكناً الآن القول بأننا نستطيع التكلم في الوقت نفسه عن قضية كردية بأبعاد مختلفة، يبررها الوضع المختلف للكرد في كل بلد يقيمون فيه.
ومنذ أربعينيات القرن العشرين، حوّل انتقال السيطرة الإقليمية من الأوروبيين إلى الولايات المتحدة، وتدويل(13) القضية الكردية، الكرد إلى لاعب إقليمي وازن. وشكّل تفاعل الكرد مع لاعبين إقليميين ودوليين التطورات الدولية، في شكل مباشر (كما مع قيام جمهورية مهاباد) وغير مباشر (فعدم مشاركة الكرد في حرب الاستقلال التي شنها مصطفى كمال (1922) كان يمكن أن تغير خريطة الشرق الأوسط). وكان دور الكرد في حرب الخليج الثالثة (آذار 2003) حاسماً في مستهل مرحلة ما بعد صدّام، فيما كان لدور حزب العمال الكردستاني وسياسات الأحزاب الكردية التركية في دعم السياسات الكردية المحلية لتركيا(14) تأثير كبير في تخفيف القيود على الكرد.
لذلك، وبغض النظر عن التعبيرات المختلفة حول الطموحات الكردية المتعلقة بتقرير المصير، تشكّلت القضية الكردية بالتزامن مع التوزّع الكردي بين أربع مناطق مختلفة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وكذلك برفض القوى الإقليمية والأجنبية السماح للأمة الكردية باستخدام الأرض التي ادعت سكناها تاريخياً لتأسيس دولة كردية. وتمثّل عامل إضافي في تردد الكرد في التخلي عن مطالباتهم بتقرير المصير(15). ويبيّن الفصل الثاني أن إدامة القضية الكردية تفاقمت أكثر بالتدخل الإقليمي والخارجي في الدعوى الكردية، وأن إطلاق وصف «الحالة» على طموحات الكرد إلى خلق دولة خاصة بهم، ووضعهم الإشكالي، وسماتهم الثقافية والاجتماعية المميزة، وسلوكهم السياسي، أصبح ممكناً منذئذ.
وفي ضوء هذه «الحالة»، إذاً، طبيعي إدراج سلسلة «أسئلة» و«مشكلات» برزت في أعقاب انقسام الكرد بين دول عديدة. واليوم وفيما قد يمثّل الكرد الحالة المحددة الوحيدة للاعب «لا يشكّل دولة» يتّسم بهذه الدرجة من التنوع (بعيداً، على الأرجح، من الغجر)، يعرّف الجميع أنفسهم، على الرغم من ذلك، بأنهم «كرد». فالقضية الكردية «مسألة» للكرد الذين يبحثون عن إجابة عن السؤال المتعلق بما إن كانوا سيمنَحون دولة يوماً ما(16). لقد استخدمت القوى الخارجية والإقليمية، تاريخياً، «المسألة» نفسها للترويج لمصالحها الخاصة بها لكنها بقيت مترددة حول استعدادها لمحاولة الإجابة عن السؤال(17). ويعتبَر الكرد «مشكلة» حين تهدد أفعالهم الدول التي يعيشون فيها(18) ومصالح قوى إقليمية وخارجية؛ والقضية الكردية «مشكلة» أيضاً للكرد تحديداً كلما منعهم الاقتتال الداخلي من تحقيق أهدافهم الخاصة بهم المدفوعة بطموحاتهم القومية جداً(19). ومع ذلك، حتى، تبقى الأشكال المختلفة للمشكلات والأسئلة بالنسبة إلى الكرد في بلدان مختلفة و/أو في أوقات مختلفة جزءاً من القضية الكردية نفسها.