قراءة كتاب نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء

نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء

كتاب " نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء " ، تأليف د. عدنان زهران ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 4

وخلال هذه الفتن والمصادمات كثيراً ما كان أفراد المذاهب يلفقون التهم ضد بعضهم بعضاً، ويوشون بها إلى السلطات.

ونستطيع أن نتصور نوع القدوة والأخلاق التي كان الطلبة يتلقونها من اساتذتهم، واشكال الكيد والتآمر التي كانت تدبر بينهم، وأمثال ذلك مما يفرزه خلق التعصب المذهبي.

4. تسرب اتجاهات الإنحلال والإقليمية إلى صفوف الطلبة، ومن المضاعفات التي أفرزتها الخصومات المذهبية اشتغال بعض الطلبة بأمور أكثر سوءاً، إذ يروي ابن الجوزي(4) بعض الحوادث التي تنسب إلى طلبة النظامية ومنها شرب المسكرات، وشيوع النعرات الإقليمية بين العراقيين والأعاجم، وقيامهم بالشغب والفوضى، مما أدى إلى تدخل الشرطة وحجز عدد من الطلاب وإهانة بعض المدرسين.

ولا شك أن هذا الطابع الذي تركته المذهبية في نظم التعليم ومؤسساته، قد أثر في الحياة الاجتماعية تأثيراً سلبياً من خلال نوعية الموجهين، والمرشدين، والوعاظ الذين كانت تخرجهم إلى المجتمع تلك النظم والمؤسسات.

3. الآثار الاجتماعية والبشرية :

انعكست آثار التعصب المذهبي على الحياة الاجتماعية، وأسهمت في إشاعة التفكك والإضطراب في المجتمع، ولقد تمثلت هذه الآثار بما يلي:

‌أ- شكلت المذاهب طوائف اجتماعية اشبه ما تكون بالأحزاب المتناحرة فقد اختلفت تكوين المذاهب تماماً عن المدارس الفكرية التي تطورت عنها في الأصل، ففي حين كانت المدارس الفكرية لا تضم إلا رجال الفكر، وأئمة الفقه، والمشتغلين بالعلم الذين تنظم علاقاتهم أخلاق العلماء وفضائل الدين، صار المذهب أخلاطاً من الماس، فكان منهم المشايخ والتجار والطلبة والعوام، وكان بينهم المنتفع الذي يريد المذهب وسيلة لمنافعه. والتاجر الذي يريد اتباع المذهب زبوناً لتجارته، وكانت تربط هؤلاء جميعاً رابطة هشة تقوم على المظهرية أكثر من الجوهر. إذ كان يكفي الفرد أن ينتمي للمذهب دون فهم أو تطبيق، وأن يصحب أفراد المذاهب في مكتبته دون أن يقرأ صفحة واحدة منها في عمره، لينال نصرتهم ويشاركهم مكاسبهم. وكان اولئك الذين يخالفون تقاليد المذهب في الخصومة لبقية المذاهب أو ينفصلون عن المذاهب أو يستعصون على الإنتماء إليه يصبحون هدفاً للإيذاء وعرضة للطعن والتشكيك في الدين والخلق مهما كان حظهم من الفهم والإيمان والإستقامة، وكان في المذهب فئات تستعمل قوة المذهب للضغط على الخصوم والتأثير على الحكومات للوصول للخصوم والتأثير على الحكومات للوصول إلى مناصب الوزارة ونظارة الأوقاف والحسبة وغير ذلك من مناصب ذلك الزمان.

‌ب- ونتيجة لذلك انقسم الناس على بعضهم وانصرفوا عن التحديات التي تهددهم من الداخل والخارج، واستنزفوا طاقاتهم في الخصومات والمصادمات المذهبية. وتطفح كتب التاريخ المعاصرة لتلك الفترة بحوادث الشجار والفتنة التي بدأت في المساجد ثم اندلعت إلى الشوارع والساحات العامة بين اتباع المذاهب من عوام الجماهير(5).

‌ج- ولم يقتصر هذا التفكك والتنافس على المذاهب بعضها مع بعض، وإنما امتدت إلى صفوف المذهب الواحد نفسه، فقد كان المتصدرون في المذهب يتنافسون فيما بينهم لتصدر الأتباع وتمثيل المذهب في مناصب الدولة، أو الاحتفالات. وصارت روابطهم وصلاتهم تشكل طبقاً لحصصهم مما يفوز به المذهب من المناصب والمغانم، ولقد انسحبت هذه العلاقات والإتجاهات إلى الاتباع أنفسهم فانقسموا إلى شلل ومجموعات تتبع كل مجموعة زعيماً من زعماء المذهب وتشايعه في سياساته.

4. الآثار السياسية والاقتصادية:

تحولت أهداف العمل الإسلامي على يد المذاهب من السعي لتحكيم الإسلام إلى تحكيم رجال المذاهب أنفسهم، ولذلك أصبحت السمة البارزة للنشاط السياسي لهذه المذاهب هي انتهاء أهداف العمل الإسلامي عند مشاركة زعماء المذهب ورجالاته في إدارات الدولة وفوزهم بمناصب القضاء والأوقاف والتعليم والحسبة وغيرها. ولقد أدى هذا الوضع إلى نتيجتين:

الأولـى: تنافس المتصدرين لهذه المذاهب في التقرب من السلاطين والقادة، وكيد كل مذهب للآخر وللإيقاع به وللإستئثار دونه بمناصب الدولة ووظائفها، تحت ستار الغيرة على العقيدة والإتهام بالزندقة. والثانية: أن الإنتهازيين أصحاب المطامع الشخصية وجدوا في الإنتساب للمذاهب وسيلة لتحقيق مطامعهم، وبذلك صار الناس ينتقلون بين هذه المذاهب حسب نفوذها في دوائر الدولة، وقدرتها على خدمة المصالح الشخصية للاتباع.

Pages