كتاب " نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء " ، تأليف د. عدنان زهران ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء
أولاً: الفساد الاقتصادي
ليس صحيحاً أن الإزدهار أو التخلف الإقتصاديين يعتمدان على وفرة مصادر الثروة أو قلتها؛ ولكنهما يعتمدان على التصور الذهني الذي يوجه طرق الكسب وطرق الإنفاق. فإذا قام هذا التصور على اساس الكسب المشروع والإنفاق المشروع ازدهرت الحياة الإقتصادية وشاع الرخاء. أما إذا تشكل هذا التصور عكس الطرق المشروعة انتكست الحياة الإقتصادية وعمت الأزمات، والسبب أن التصور الأول يوجه طرق الكسب وطرق الإنفاق لما فيه صالح الجميع ويكون دور النهابين المحتكرين الذين يقتصرون في الإنفاق على شهواتهم الخاصة.
ولذلك صرف القرآن الكريم الناس عن التفكير بمصادر الرزق، ولكنه فصل في توجيههم إلى مراعاة طرق الكسب الحلال والإنفاق الحلال وأداء ما أمر الله بأدائه.
والخلط بين الحقيقتين هو منشأ التخبط الذي يقع به المسلمون في فترات الإنحطاط وهو ما طبع الحياة الإقتصادية في الفترة التي سبقت الهجمات الصليبية ورافقتها.
فلقد قامت وسائل الكسب- في هذه الفترة- على أسس غير مشروعة. فالدولة تفننت في أنواع الضرائب وابتزاز الجباة، حتى الحجاج كانوا يدفعون الكثير من الضرائب للبلد الذي يمرون فيه- كما كان يفعل الفاطميون مع حجاج المغرب في مصر- "ومن عجز عن الأداء حبس وربما فاته الوقوف بعرفة".
وخلال هذه الممارسات أثرى القائمون على أمور الإمارة إثراء يفوق التصور.
واقتفى الجند آثار الأمراء والوزراء فكانوا إذا ما نشبت الفتن بين أمرائهم أو السلاطين والملوك يستغلون الفرصة وينهبون المدن والمحلات التجارية والبيوت.
كذلك تفنن التجار في رفع الأسعار خاصة خلال ندرة الأقوات والحاجات، وقلد السلاطين والولاة وكبار الموظفين بقية الأغنياء، وشابههم بذلك نماذج غير قليلة من وعاظ المذاهب الذين كانوا يعظون بأسلوب ويعيشون في بيوتهم بأسلوب آخر.
أما المصالح العامة فلم تنل شيئاً من الإنفاق. من ذلك إهمال العناية بالري والزراعة فكثرت الفيضانات- مثل دجلة والفرات- التي أهلكت المرافق العامة، وأهملت الطرق وشؤون المدن وغلاء الأسعار فاستغل العيارون واللصوص الفرصة وشاركوا في نهب المحلات التجارية والبيوت. أضف إلى ذلك ما كان يقوم به الأعراب من غارات على الريف ونهب المحاصيل وتربص بقوافل الحجاج والتجارة(30). ونتيجة لهذا كله عانت جماهير المسلمين من ضروب الجوع ما لا يمكن تصوره ولا تصديقه. فقد وجدت جماعات كبيرة لم تجد مصادر للعيش إلا ضفاف الأنهار وسواقي المياه حيث تلتقط أوراق الخضار الساقطة، وانتشرت المجاعات والأوبئة في أقطار العالم الإسلامي كله ولربما انشب الجوع أظفاره في بعض العائلات فلم تجد من سبيل لمجابهته إلا افتراس أحد أصداقائها أو اطفالها أو المتوفى من أفرادها، وليست هذه رواية مؤرخ منفرد في روايته وإنما هي ظاهرة تواتر الخبر بها عند جميع مؤرخي الفترة من أمثال ابن الجوري(31)وابن كثير(32) وابن تغري بردي(33)وغيرهم.
وتحدرت المصائب والفقر والأمراض سنة بعد سنة وأصبحت سمة ميزت المجتمعات الإسلامية واسهمت في إضعافها امام الأخطار التي جذبت من الخارج.