كتاب " نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء " ، تأليف د. عدنان زهران ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نهضة الأمة بين عوامل الإنحدار وسبل الإرتقاء
3. السنة والتصوف
أمام الإنحرافات التي اصابت ميدان التصوف برز التصوف السني ليتصدى لهذه التيارات المنجرفة وليطهر الساحة الصوفية من آثارها. وقد مثل هذا التصدي مدرستان كلاهما امتداد للجنيدية، المدرسة الأولى في نيسابور، والثانية في بغداد.
أما مدرسة نيسابور فقد قادها ابو نصر السراج(15)، المتوفي عام 378هـ/1021م، وعلى السلمي تتلمذ على يد عبد الكريم بن هوازن القشيري(16) المتوفي عام 495هـ/1072م. وممن اقتفى أثر السراج الهجويري المتوفى عام 465هـ/ 1072م كذلك.
ولقد قام نشاط هذه المدرسة على أمرين: الأول تدوين التراث الصوفي وصب مفاهيم التصوف في قوالب تقيدها بالشرع وتبعدها عما يفضي بها إلى الحلول والإتحاد.
والثاني إبراز التصوف السني باعتباره عملية تزكية للنفس تدعم الإيمان والتوحيد وتنقيه من شوائب الرياء والحظوظ النفسية. وكان من ثمار هذا النشاط تلك المؤلفات التي مازالت تشكل المصادر الأولى للتصوف السني والتي جمعت أقوال رجال التصوف الأوائل ومن سبقهم من الزهاد.
أما مدرسة بغداد فقد اعتمدت المنابر ومجالس الوعظ. وأبرز مشايخها هو جعفر بن محمد الخلدي(17) المتوفي عام 248هـ/ 959م، والذي أصبح مرجعاً في علوم التصوف بعد الجنيد، وكان يعكس نفس الإتجاه في التزام الشريعة واجتناب الدعاوى الخارجه على الكتاب والسنة.
ومع أن التصوف السني قد نجح في مهمته الفكرية، واستطاع ان يبلور تصوراً متقيداً بالشرع، إلا أنه ظل مصاباً بالإنقسام ونقصان التنظيم، وبرز هذا النقص بشكل واضح منذ النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، يضاف إلى ذلك أن الإضطراب الاجتماعي الذي أحاط به جعله يجنح إلى العزلة عن الحياة، ويكتفي بالعمل على خلاص الفرد الآخرة، ولذلك فقد استقل كل شيخ بأتباعه في رباط خاص؟ مما يبينه الخلفاء والسلاطين والوزراء والمحسنون في الحضر والريف والبادية: وراح يمارس نوعاً من التطبيقات المذهبية كما كان معاصروهم من الفقهاء.
كذلك قامت الخصومات بين الفقهاء والمتصوفة إلى جانب الفتن المذهبية، وانتشرت طوائف الجهلة والسطحيين من الصوفية، ويروي الهجويري قصصاً من مشاهداته عن كيفية تلقي المريدين لكلام شيخهم تلقياً حرفياً وتقلدياً، وأنهم كانوا يأخذون بظواهر الأمور، كذلك يذكر أن كثير من الشيوخ في زمنه أصبح همهم جمع المريدين وتصدر الأتباع طلباً للجاه والنوال.
ثالثاً: تحديات الفكر الباطني
ازدهرت الحركة الباطنية نتيجة للمذهبية والركود اللذين ضربا الفكر الإسلامي السني ومؤسساته: ويجعل المؤرخون بدايات هذه الحركة بالفرقة الاسماعيلية(18) التي أنشأها الحسن بن الصباح(19) الذي تمكن عام 483هـ/1090م من الاستيلاء على قلعة الموت(20) وجعلها عاصمته ومركز أعماله والواقع أن الباطنية أوسع انتشاراً من ذلك بكثير. فهي حلقة في سلسلة المحاولات التي قامت بها سلالات الأرستقراطيات الفارسية التي فقدت امتيازاتها بانهيار حكم الأكاسرة، والزرادشة الرامية إلى استعادة ذلك المجد الغابر. ولتحقيق هذا الهدف لجأت إلى أساليب وشعارات جديدة تتفق من المنعطف العقادئدي والحضاري الذي تحول إليه الشعب الفارسي المسلم بعد الفتوحات الإسلامية. ومن هذه الأساليب الجديدة الشعوبية(21) والباطنية (22)، والتشيع المتطرف، والفلسفة الأفلاطونية الجديدة وإحياء اللغة الفرنسية، وتعود الحركة الباطنيةإلىالقرنالرابعالهجري حيث ضمت بين صفوفها جماعات يجمعها هدف العقيدة. فقد ضمت فلاسفة ومفكرين مثل اخوان الصفا(23)وشعراء مثل أبى العلاء المعري(24)، وعلماء مثل أبى حيان التوحيدي(25)، ويذكر ابن سينا(26) إن والده كان يحرص على حضور ابن سينا واخيه هذه الاجتماعات والالتقاء بالمفكرين اللذين يديرونها.