مملكة غاردينا وجدت ولم تزل في دنيانا المعاصرة. وهي نموذج واقعي يحاكي كثيراً من أنظمة ودول العالم الثالث.
قراءة كتاب غاردينيا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
ويعيش أهل الصحراء حياة مشاعية وبدائية، فهم دائمو التنقل، وليس هناك ارتباط بينهم وبين الأرض. ولم يترسخ مفهوم الدولة في أذهانهم، حتى ولو انتظموا في دول ذات سيادة شكلية، لأن حبهم لحياة الصحراء وثقافتها يبقى مهيمناً على سلوكهم الذي يغلب عليه إيمانهم بمشاعية الأشياء. وهم في حياتهم الاقتصادية العامة شيوعيون بدائيون. وقد سبقوا الماركسيين في فهمهم لطبيعة النظام الشيوعي البدائي، والملكية العامة لوسائل الإنتاج. ولذلك فإن التنظيم الاجتماعي المتطور الذي يعكس مفهوم الدولة الوطنية ورأس المال المغامر ليس له وجود في أفكارهم، وليس له أساس في نظام دولتهم، حتى وإن حاول مجمّلوه أن يخلعوا عليه ثوب الحداثة والديموقراطية المشوهة.
إن غاردينا وتاريخها، كما وصفه الكاتب، يعكسان هذه المفارقات بشكل سافر. فغاردينا الدولة سبقت وجود المجتمع. وسبق وجود السلطة فيها التنظيم الاجتماعي الذي يُعتبر ضروريا ً لإرساء قواعد الدولة والقانون. وتبين النظريات الحديثة في الثقافة، أن ثقافة الصحراويين هي ثقافة يؤمن أهلها بأن الطبيعة التي يعيشون فيها زائلة، وغير سخية وعنيدة في نفس الوقت. ما يعني أن أهلها يعتبرون وجودهم بها مؤقتاً ويظنون بها الزوال في أي وقت، وهي بالتالي مرتع لنمو عادات الحسد والطمع والتصيد لأخطاء الآخرين، وحب الانتقام من المنافس أو القضاء على وجوده كما ذكرنا سابقاً. وتكون هذه الممارسات مقبول على الصعيدين الاجتماعي والسياسي. وبسبب ذلك فإن البنى الاجتماعية والسياسية والقانونية والاقتصادية عادة ما تكون ضحلة ومهلهلة، وعرضة للسقوط أمام أول عارض قوي أو أزمة اقتصادية مؤثرة.
إن السؤال الرئيس الذي يمكننا طرحه في ظل هذا التصور عن المجتمع الصحراوي وإفرازاته: هل يمكن لمجتمعات الصحراء والبداوة أن تبني دولاً ومؤسساتٍ قابلة للاستدامة والاستمرار في ظل العولمة الثقافية والاقتصادية دون أن تتغير؟ أم أنها ستحافظ على طابعها الأصيل، ما يعني أنها ستتشوه ثقافياً واجتماعياً؟
تحكي غاردينا قصتها المحزنة من خلال هذا الفهم لطبيعة أهل الصحراء، وكيف أن الإنسان يضحي بأخيه أو أبيه من أجل المُـلك والثراء، وهو الصراع الذي يؤدي، إلى هلاك الجميع، ويفتح ثغرة للأجنبي كي يتسلل إلى هذه المجتمعات ويقضي على وجودها الأصلي، ثم يلحقها بذيله ويمتصها بأطماعه.
ولا بد أخيراً أن نتذكر أن أهل الصحراء يقاتلون على جبهات عديدة: منها الطبيعة القاسية، والمنافسة بين بعضهم على ما ظهر على السطح، وغيرها من الصعاب. لكن الأخطر هو أن هناك مستعمراً طامعاً بالخيرات الدفينة في أراضيهم! وهذا ما حدث مع غاردينا وأهل الغرّابة في الفترة 1800- 1900، وربما إلى الآن.