قراءة كتاب غاردينيا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
غاردينيا

غاردينيا

مملكة غاردينا وجدت ولم تزل في دنيانا المعاصرة. وهي نموذج واقعي يحاكي كثيراً من أنظمة ودول العالم الثالث.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
كان الأربعة من أشد المقربين والملازمين للشيخ، وخاضوا معه عشرات المعارك ضد جموع الغزاة التي كانت تغير، بين الفينة والأخرى، على الغرابة الغربية. وكان من عادة الشيخ ألّا يتناول طعاماً إلا والأربعة من حوله، يشاركونه الطعام والحديث عن الغزوات والحروب التي خاضوها. وقد أمضوا الشهور الثلاثة الماضية وهم يفاوضون الأوروبيين على منح الاستقلال لمنطقة الغرابة وإنشاء دولة المكاسير التي طال انتظارها. بيد أنهم اكتشفوا مؤخراً أن الأوروبيين كانوا يتعاملون مع كافة القبائل بشكل سري وفردي، ويزودونها بالسلاح، ويؤججون نار الفتنة بينها، وخاصة بين المكاسير والسعدان. وتبين للشيخ وأصحابه أن الأوروبيين يريدون الغلبة لقبائل السعدان، وأنهم كانوا يحثون السعدان على الاستيلاء على منطقة الغرابة بأكملها وجعلها مملكة لقبيلتهم، شريطة أن يُخضعوا بقية القبائل لحكمهم، وأن يمنحوا امتيازاتٍ وتسهيلاتٍ واسعة للأوربيين لاستغلال مناطق النفط والمعادن. وكانت سياسة "فرق تسد" سمة غالبة على تعاملات الأوروبيين مع القبائل، وذلك لأجل إحكام سيطرتهم على جنوب الصحراء، واستغلال ثرواتها وترسيخ الفرقة بين أبنائها، والإبقاء على الجهل وضعف الوعي عندهم.
 
وبعد حروب استمرت سبع سنوات بين الغرابتين، قتل فيها من الطرفين أكثر من خمسة آلاف نفس، تمكنت السعدان مع انتهاء العام 1820، وبعونٍ من الأوروبيين، من بسط نفوذها على كامل تراب الغرابة، وتأسيس مملكتها الأولى. وتم لها قتل أو طرد كل القبائل المؤيدة للمكاسير إلى المنطقة المحاذية لها من جهة الشمال الغربي.
 
كان الشيخُ متقد العقل ومنفتحاً على الآخرين بشكل لافت. ورغم نشأته وبيئته الدينية الصارمة، إلا أنه تأثر بمجريات الأوضاع السياسية والتيارات الفكرية السائدة في أوروبا، وأُعجب بآراء الفلاسفة والاقتصاديين والفنانين الذين ينتمون إلى حركة البنائين الأحرار (2)، حتى أن الموسيقار موزارت كان من بين الذين أعجبوه إلى حد بعيد. فكثيراً ما ردد على مسامع المقربين منه مقاطع من موسيقاه ومدى النشوة والطرب الذي أحدثته إحدى سيمفونيات موزارت التي سمعها عندما كان في زيارة إلى إحدى العواصم الأوروبية، وشارك وصف الأوروبيين لموزارت بأنه "صاحب الناي السحري" الذي ألهم المفكرين وأخرج مكنونات النفس الإنسانية المبدعة:
 
"...عندما بدأ أفراد الفرقة بالعزف على آلاتهم...شعرت وكأنني نقطة مادية متناهية في الصغر...تبحرُ ببُطءٍ، وبلا إرادة، في فضاءٍ ديكارتي...وكبّلني شعورٌ غريب من النشوة والطرب...لم أشعر مثله في حياتي قط!...لقد شعرت بالعظمة رغم أنفي!...".
 
وتأثر الشيخ بحركات النخب الأوروبية المتنورة، وبخاصة تلك التي اهتمت بحقوق الإنسان. ولفتت انتباهه وثيقة "إعلان حقوق الإنسان والمواطنين" التي وقف وراء إصدارها وإعلانها بعض النخب المنتسبة لحركة البنائين. وأُعجب بما كان يتردد على أفواه الفلاسفة "...بأن الإنسان يولد حراً...وأن المهن يجب أن تكون مفتوحة أمام المهارات...".
 
وإزاء هذا الفهم للتحرر من القيم التقليدية كان الشيخ يردد:
 
"...تباً لنا نحن أبناء الصحراء...يريد راعي الغنم منا أن يصبح وزيراً للمال والتدبير وهو جاهل بأمور العامة...ومع إيمانه بمشاعية الأشياء من حوله فهو لا يفرق بين مُلكه الخاص والمال العام...ومن كليهما ينفق كيفما اتفق!...".
 
كانت آمال الشيخ كبيرة بعد اندلاع الثورة الفرنسية وسقوط الباستيل في العام 1789، إذ كان قد تلقى وعداً من بعض الأوروبيين بتقديم العون له في تأسيس دولته والتخلص من تهديد السعدان الذين قيل عنهم أنهم "...خلطاء الجهل والظلام". ووعدوه بالمساعدة على درء مخاطر القوى الخارجية الطامعة، وأن يقدموا له المال والسلاح مقابل التزامه بتأمين حمايتهم في الصحراء وتطبيق مبادئ "...الحرية والإخاء والمساواة..." في دولته إذا تجسدت على أرض الواقع. لكن الأوروبيين لم يفوا بوعودهم بسبب الظروف المتسارعة التي اكتنفت أوروبا بعد الثورة. وقد كان الشيخ معجباً بالثورة الفرنسية ومبادئها عن الحرية والمساواة، وارتفعت آماله بعد تأسيس الجمهورية الأولى. وحاول الاتصال بقادتها للتعبير عن إعجابه بدولتهم، لكن آماله سرعان ما تبددت بعد اعتلاء نابليون سدة الحكم في العام 1799، وغزوه مصر في السنة السابقة. فأدت تلك الأحوال إلى فقدان ثقة الشيخ بتلك المبادئ، ووصفها بـ:

Pages