كتاب " الوشق والذئاب " ، تأليف أيمن كامل ملكاوي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب الوشق والذئاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الوشق والذئاب
البداية
مما قاله الأقدمون أن حبات المطر التي تبكيها عيون السماء، تحاول أن تغسل الخطايا منذ أن قتل الأخ أخاه. جاء غرابان يعلمانه كيف يدفن أخاه. يبدو أن قابيل لم يكن يعلم أنه جاء إلى الأرض كي يعلم، فبدل أن يعلم بدأ يتعلم. وانقلب الحال منذ بدأ الزمان. عندها وفي ذلك اليوم تغير كل شيء. وكأن الرعد القادم من زمجرة البرق ما هو إلا تجليات الجبروت تطل على الملكوت بالنور والضياء، لعلها تكون إشعاعات نور لتذكر بذلك الزمان. أو محاولات ليبصر بنورها الإنسان. أو أن الصواعق الهادرة التي نتجت عن ذلك كله، ربما تكون تهديداً لكل خائف ممن يفترض أنه يملك شجاعة السباع، أو وعيداً لكل غافل تطبّع بطباع الضباع. نعم، فبعدما ارتكب الإنسان خطيئته الأولى على الأرض تجسّدت صفاته في الكائنات من حوله، وكأنها تقول له: إيه، أبصر بقلبك ولا تنظر بعينك، فما أنا إلا حقيقتك. محاكاة تصويرية لصفاتك. العين لا تريك من الحيوانات إلا أنها تكملة لدورة الكائنات. أما القلب... آه من القلب! ففيه كل شيء. ومنه كل الطباع. من أجمل الخلق مثل البلابل وطيور الحب، مروراً بالغربان أول ما تعلم منها الإنسان، نزولاً إلى القاع وصولاً إلى الضباع.
فلتبدأ حكايتنا إذن مع الضباع التي تجمعت على وليمة كانت قد سرقت بقاياها ... نهشت حشاياها ...أكلت ما لها وما عليها.... كلما برق البرق، ترتعب الضباع، وكلما زمجر الرعد ترتعد، ولكنّ هناك نوراً خاطفاً يخلفه البرق كلما أضاء. برق لا تفهمه الضباع. قهقهتها تسمع من كل مكان... سفسطتها تقرع في كل زمان. وما أن شبعت وتمرغت بما بقي من العظم، وقفت زعيمتها بكل عزم... وقالت لزوجها:
"ترى ماذا حل بزعيمة الذئاب يقظانة... سمعت أن لها عهداً جديداً... وأسلوباً فريداً... ولكننا منذ مدة لم نسمع لها صوتاً... ولم يأتنا منها خبر".
"حقاً من كان يراها ما ضمن عقباها...ما حكّمت الذئاب يوماً أحداً ببأسها ولا قوتها. ولكن يا زوجتي العزيزة أتدرين ما يشغل بالي؟ ...و ما أن أراه حتى يتغير حالي...؟"
"ماذا يشغل بالك؟ وأنت تنفق من غير مالك. فهل يوماً أكلت مما اصطدت؟ أو حصدت مما زرعت؟" قالت مع قهقهة وضحك.
"حقاً، ما يشغل بالي هو الوشق. هذا اللعين يخفي سراً دفيناً، فما رأيته يوماً يأكل، وبرغم ذلك فهو دائماً يكبر."
"الوشق؟ هو مخلوق غريب... وأمره مريب. ولكن دعنا منه الآن، فإني أريد أن أنام."
تحالف الضباع مع الذئاب لا يدوم طويلاً... فالثقة بينها معدومة، صراعاتها دائماً محمومة. وكلما اتفقت اختلفت. فكلها لا تحب إلا الظلام. ولا تصطاد إلا والخلق نيام. فهذا حالها. الغدر والسرقة كانا دائماً زادها. ولكنّ هناك فرقاً واحداً، الذئاب لا تأكل البقايا، أما الضباع فلا تبالي وتأكل كل ما بدا لها وعليها.
فجأة رفعت الزعيمة رأسها وقالت لزوجها:
"أشعر بأمر مريب، فالصمت رهيب والهدوء غريب.."
"أي صمت مع كل هذه العاصفة؟" قال زوجها
"أشعر بشيء ما وما خاب إحساسي يوماً ما... أرسل أحداً ليستطلع الأمر ويأتينا باليقين." قالت بترقب.
"أنت تتوهمين أو أنك تمزحين، فالخطر الوحيد قد يأتينا من الأسد وقد انقرض إلى الأبد. أما الذئاب فبيننا وبينها عهد وحسن مآب. "
وما أن رفعت ميمونة رأسها حتى فوجئت بالذئاب و قد تجمعت حولها لا تدري كم عددها. كلما برق البرق ترى عددها وتعدادها... جيش جرّار من الذئاب. ولكنها لا ترى أحداً من الضباع سوى زوجها. نهضت وقالت:
"أهلاً أهلاً بالأحلاف عسى أن لا يكون هناك خلاف أو اختلاف!"
"نحمل لك رسالة من الزعيمة يقظانة." قال أشرم. وهو ساعد الزعيمة يقظانة الأيمن وشقيق زوجها الأصغر. وهو مشروم الأذن لشدة معاركه وضراوته.
"يقظانة!!! حبيبتي وصديقتي وما فحوى الرسالة حتى تبعث يقظانة بكل هذا الحشد وأنت على رأسها يا أشرم!"
"الرسالة هي أن تغادري من هنا أنت وقطيعك، وقدرك هو حسيبك."
"ماذا؟ أي كلام هذا؟ وأين نذهب؟ أنت حقاً وقح وبلا مبدأ ولا مذهب".قالت وصوت الرعد يتخلل كلامها بغضب اختلط مع غضب العاصفة. العاصفة التي بدأت تشتد، وغيومها تحاور السماء تستجديها الرحمة والعطاء.
"انظري هناك صوب الجبل، أنظري وقد اقترب الأجل، وفرارك هو كل ما بقي لك ".عوى أشرم بصوت عال. وتابعت ميمونة نظراتها بخوف نحو الجبل حيث قطعان الذئاب قد اصطفت. يقظانة قد وحدت الذئاب جميعاً. والرعد يزمجر. والبرق يلمع فوق الذئاب مما زادها رعباً وهيبة. ولكن ميمونة استجمعت شجاعتها وقالت:
"إذن، هذا صراع وجود وليس صراع حدود. هذه جريمة لا يرتكبها إلا الإنسان. فما خطبك أيتها الذئاب! هل يقظانة سحرتك وما تركت لك أي متاب! حسناً فليكن، فلتنازلني يقظانة ولنر من يصرع فهو الأصلح والأسرع."
"نحن لا ننكر أنك تملكين أقوى فك بين الضواري. ولكن لا تغترّي كثيراً وحذار، فنحن من يحكم بالدهاء والافتراء. وإن لم نستطع فبالغدر. وبرغم ذلك فسوف أنازلك أنا، فالزعيمة أشرف من أن تتسخ بجسدك القذر." وما أن أكمل أشرم حتى انقضت عليه ميمونة بفكها بسرعة، ولكنه تمكن من القفز بعيداً لينجو من قضمة ساحقة جاءته من الجهة الثانية ولكنه قفز مرة أخرى وهو يضحك ويقول:
"أهذا كل ما لديك؟ أم تراك نسيت يديك." وما أن أكملها حتى انقضّ هو بدوره على يدها ليقضمها وقفز عن ظهرها فلم يترك لها مجالاً سوى أن تقع على الأرض حيث تجمعت عليها الذئاب ومزقتها بسرعة جنونية.
وقف أشرم ونظر إلى زوجها المذهول لسرعة الذئاب وقوتها وقال له:
"ما رأيك؟ هل حان دورك؟ "
ولكن الزوج هرب واختفى في الظلام.