رواية " يوم غابت الشمس"، هذه الرواية: على مشارف المدينة القديمة، وقفت طويلاً، وقفت أتأمل واسترجع بذاكرتي صور الماضي القريب لهذة المدينة التي أنهكتها الحوادث وأنهكها تطاول الزمان، بيوتاتها الفخمة هرمت وشاخت واستحال بعضها إلى خرائب.
قراءة كتاب يوم غابت الشمس
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وضاق الرجل ذرعاً بابنه فقال بتذمر وكراهية:
- أُووه... ما نفع هذا الكلام الآن؟.. ما مضى انقضى ولنا الساعة التي نحن فيها.
- هذه الساعة بنت تلكم الساعات.
ولمّا لم يجد الرجل إلى إبنه سبيلاً في إخراجه من السرداب استدرك أمراً آخر فقال:
- لا بأس عليك، لا نريد أن نخرج عن الموضوع فسواء بقيتَ في السرداب أم خرجتَ منه فهذا عائد لك.. ولكن ألا ترى كثرة العفونة والرطوبة فيه؟
- أيّة عفونة وأيّة رطوبة؟ وسواء كانت هذه العفونة موجودة أم لا فلا يهمُّني من أمرها شيء.
- إلى متى تفهمني خطأ؟ أنا لم أقصدك بكلامي، ولكن المؤونة ستتلف، إن المكان غير صالح لخزنها.
- وأين تخزن الناس مؤونتها؟ فتّش جميع بيوتات الموصل وسترى، ثم مالك يا أبي تعترض على أمر صحيح ومألوف جرت عليه العادة منذ سنوات عديدة وفي هذا البيت بالذات، لا يا أبي لنترك كل شيء مكانه.
وفي صباح اليوم التالي افترش الإثنان الأرض تتوسطهما صينية طعام الفطور البسيطة، باطيتين(18) صغيرتين من اللبن وبعض الخبز وقليل من الشاي.
أخذ شاهين يقضم ببطءٍ وبين الفينة والأٌخرى ينظر إلى وجه إبنه كمن يهمُّ بقول شيء ما، فتوقف الفتى عن المضغ وبادر أباه بنظرة استفهام، فقال الأب:
- إسمع يا بني، لقد أصابني الكِبرُ كما ترى وعهدي بك ابناً باراً، فما ضرَّك لو أعنتني على كسب قوت غدٍ أو بعد غد، ألا ترى أن المؤونة أوشكت على الإنتهاء. أنمدُّ أيدينا إلى الآخرين أونموت جوعاً؟
- أن أشتغل شيء حسن. ولكن ألا ترى يا أبي أيّة صنعة علمتنيها؟!
- وهل كل الذين يعملون يحسنون صنعتهم؟
فأجابه الفتى بسرعة وكأنه قد أعد جواباً مسبقاً:
- بالتأكيد نعم وإلاّ سيفقدون عملهم ولن تجد أحداً يقبل عليهم.وعاد الفتى إلى الطعام يأكل بشراهة حتى أتى على نصف ما لديه من لبن بينما توقف والده عن تناول الطعام تماماً وعيناه لا تحيدان عن النظر الى ابنه اللامبالي وعاد الرجل إلى القول:
- عليك بغسل الباطيتين بعد الإنتهاء جيداً.
- هذا شأن جارتنا أم محمود فهي التي تعدُّه لنا.
- ويا ترى أيهُمُّها أمرنا؟
- لنِعْمَ الجارة هي.
- ثمة شيء آخر أريد أن ألفت نظرك إليه.
- وهو؟!
- إذا جاءتك جورة لأخذ الغسيل أعطها جميع ملابس المرحومة أمك مع أغراضها وأدواتها، ألا ترى أنها فقيرة فلتستفد منا قليلاً.
وأطبق الفتى بيمناه على بقية رغيق الخبز بقوة ومال بجذعه إلى الأمام مستنداً بيسراه على الأرض كمن يريد الوثوب. وقال والرذاذ يتطاير من زوايا فمه:
- لن يمس أحد أي شيء مِمّا ذكرت.