كتاب " الأوتاد " ، تأليف سعيد بن سلطان الهاشمي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب الأوتاد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الأوتاد
الصفحة رقم: 1
تقديم
منذ طفولتي الباكرة وأنا اسمع كلمة تنمية، أكتبها في المدرسة مئات المرات، أسمعها في وسائل الإعلام الرسمية آلاف المرات، أحاول أن أجد لها تفسيراً مبسطاً يفهمه عقلي، ولكني لم أجده بسهولة.
إن التنمية كمفهوم وممارسة أصبحت من أكثر المشروعات الإنسانية التي يحتاجها الناس في حياتهم. وليس أدل على ذلك من تطور لفظة التنمية وتجاوزها للبعد التقليدي المعروف، والذي كان يرتبط بالتنمية الاقتصادية فقط، إلى مفهوم أوسع؛ يشمل التنمية الثقافية والسياسية، ويجعل سقفه الأعلى نماء الإنسان وسعادته.
لقد أصبحت التنمية ضرورة حضارية ملزمة على أي مجتمع؛ فالمسألة ليست اختياراً بمقدار ما هي واجب وفرض عين على من يدير ذاك المجتمع. وبالتالي فقد جاء اختياري للحرية والديمقراطية والثقافة كموضوع هذا الإصدار، لمحاولة تأصيلها كأهم الأوتاد التي يقوم عليها بناء أي تنمية. وهي فرضية نابعة من إيماني بأن الأركان الثلاثة هي أس بناء الدول وتقدم الشعوب.
فالحرية هي فكرة جوهرية ومركزية في عملية التنمية الإنسانية. فإذا ما اعتبرنا أن التنمية الإنسانية هي: "عملية توسيع خيارات الناس"، فإن للناس ولمجرد كونهم بشراً، حقّاً أصيلاً في العيش الكريم مادياً ومعنوياً، مما يترتب عليه شمول المفهوم على مبدأ المساواة وعدم التمييز بين البشر وفقاً لأي اعتبار اجتماعي أو اقتصادي أو ديني أو قومي أو لغوي أو جنسي.
إن أبرز ما يميز عالم اليوم هو اعتبار الحرية، واكتساب المعرفة، واحترام الكرامة الإنسانية، جوانب أساسية مهمة في حياة البشر، على خلاف كثير من الأنظمة التي تعتبرها من قبيل بذخ المجتمعات وكمالياتها المجمِّلة والبراقة.
لقد أكدت التجارب البشرية على أن التنمية لا تعني الوفرة المادية فحسب، ولكنها تتطلب بناءً معمقاً للقدرات البشرية التي تستهدف تحقيق الرًّفاهة، وتوظيف تلك القدرات بشكل عقلاني منظم في جميع مجالات النشاط الإنساني.
إن المفهوم الواسع للتنمية الإنسانية يذهب أبعد من ذلك عندما يضيف إلى الحريات المدنية والسياسية؛ الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ليصل إلى قاعدة عريضة تعتمد على مبادئ حقوق الإنسان، واستحقاق هذا الإنسان العيش بكرامة ومساواة، تعينه على عمارة الأرض، وبناء حضارته عليها.
أما الديمقراطية التي تحتاجها التنمية برأيي: فهي تلك الحزمة الشاملة من الحقوق الإنسانية التي ينبغي أن يتمتع بها الإنسان في أيِّ مجتمع؛ كحق انتخاب أعضاء السلطة التشريعية، وحق محاسبة ومراقبة السلطة التنفيذية، وحق وجود سلطة قضائية مستقلة لتطبيق حكم القانون، وحق تمتع جميع المواطنين بالمساواة السياسية، والقانونية، وخضوع كل موظفي الدولة لحكم القانون، واحترام حقوق الأفراد والجماعات، وتمتع وسائل الإعلام بالحرية، وتمكن الأقليات من ممارسة الشعائر والمعتقدات الخاصة بها دون خوف أو تمييز، والفصل الواضح للسلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وحق احترام الملكية الخاصة وحمايتها قانونياً، ووضوح عقوبة الفساد والحد من تفشيه بواسطة آليات فعالة للمراقبة والمحاسبة.
وكذا الأمر بالنسبة للثقافة والتنمية فهي ركن مهم في البناء التنموي. فبما أن التنمية وليدة خطط ومشروعات ذات طابع فكري عقلاني، يستند إلى تحليل الواقع واكتشاف علاقاته التركيبية المعقدة، طموحاً إلى تحريكه إلى الأفضل والأرقى والأنفع، فهي تلتقي بذلك مع الهدف الأسمى للثقافة.
إن هذا الجهد ما هو إلا سعي للإجابة على كثير من التساؤلات التي ظلت تلح عليَّ فترة ليست بالقصيرة، ودفعاً لكثير من المسلمات المشوِهَة التي ما فتئت تفسد علينا هواءَنا الذي نتنفسه، كانت هذه المحاولة، وهي ليست سوى محاولة مجتهد؛ تحتمل الخطأ أولاً ثم الصواب عاشراً.