You are here

قراءة كتاب البردويل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البردويل

البردويل

كتاب " البردويل " ، تأليف عبدالله هلال ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

صاحت بصوت يكاد يصل إلى مسمع الجيران.
- أسألك الله ألا تسافر إلى الجمّارة.
اقتادها من يدها حتى باب المطبخ، ودلف منه إلى غرفة طفليه، أطبق جفنيه على صورتهما، كأنما يغشاه خوفٌ من فقد النظر إليهما، ودعته هدى (تثبح على خير بابا) تلفظ الصاد ثاءً، لم تنبت سنّ جديدة بدلاً من التي فقدتها، ابتسم قاسم من طريقتها في الكلام، وغادر والدهما إلى غرفته وهو يستجمع صورة عيني هدى، تذكر ما قالت جارتهم مرة لسعاد،
- (ماشا الله على عينين هدى متل عينين الغزال)
تناول طعامه واندسّ في فراشه، لم ينم حتى الفجر والأفكار تتلاطم في ذهنه كأمواج البحر.
في ساعات الصباح الأولى كان أحمد مع عباس الكوري على الطريق إلى الجمّارة. قبل وصولهما ببضع مئات من الأمتار، تأمّل أرض (الحوّار)، هي التي ستدفعني مرغماً لمواجهة البردويل. ازداد حنقه عندما لاحظ أنها بعد سنين قليلة ستتحول من أرض زراعية إلى أرض للبناء وتتضاعف قيمتها عشرات المرات إذ اقترب العمران من ضفافها. همس لنفسه، غريب أمر هذه الجمّارة، نماؤها أسرع من نماء الزرع في نيسان، وتنمو، ويكبر ثأري عند البردويل.
وصلا مبكراً إلى منزل المعطي. بحنانٍ أجش قبّل المعطي وجنتي ولده الذي انحنى على يد والده وقبلها باحترام وشوق. حاول المعطي أن يسأله عن ثأره لكنّه ابتلع السؤال. لم يقف إلى جانبه في مشكلته وتدرأ بقرابة النسب بين أحمد والبردويل ليتهرب من مناصرة ابنه، ولكن إن كان أحمد يعادي البردويل لمشكلةٍ بين سعاد وشقيقها، فماذا عن أم أحمد التي قتلها البردويل، فهل أحمد المعني فقط، أليس هو أيضاً ثأر والده وشقيقه عمر و...
كفّ المعطي عن التفكير، وعن الكلام، فهو لا يستطيع مواجهة البردويل، خاصةً وأنّ أشقاءه وأقرباءه ضعفاء متخاذلون لا يمكنه التعويل على نصرتهم. كظم ثأره وترك الحمل على ولده، لا يحثه على الثأر، ولا يثنيه عنه، ورضي أن يبقى في الجمّارة ذليلاً على أن يغادرها مقهوراً كما فعل ابنه.
تناولوا طعام الإفطار، أحمد ساهماً، وعمر يحاول أن يضفي على الحديث شيئاً من الحيوية، متجاهلاً ما يعانيه شقيقه من ألم، وما يعانيه والدهما من حرج، وزوجته تحاول إظهار الكثير من الاهتمام بزيارة أحمد.
تركهم فيما هم فيه، المعطي صامتاً، وعمر وندوة زوجه مرتبكين بين الترحيب والوداع. اتجها إلى منزل أحمد النيّا، صديق أحمد المعطي قبل أن يغادر الجمّارة، كان يؤكد له أنّ صداقتهما أبديّة لا تزلزلها مصلحة أو مقايضات. اتصل أحمد النيّا بجمعه الرحمو، وحسين المصطفى فانضمَّا إليهم وجلسوا جميعاً أمام باب المنزل كما فعلوا مراراً في الأيام الخوالي.
غاص أحمد في اجترار ذكرياته، في هذا الحي - حي المنقى - الذي درج في جنباته، وترعرع بين أزقته وأبنيته، وأهله، وحوانيته، استرجع ذكرياته، غصّ وهو يبتلع ريقه حسرةً. أبو سلوى السمّان، هذا هو عند باب حانوته، لقد غطت السنين شعره برداء أبيض، لم يره أحمد في زيارته للجمّارة قبل عامين.
بعد جلسة قصيرة ذهبوا جميعاً لزيارة عبد الله المطرود. عبدالله صديق طفولة أحمد، كانت صداقه من نوع خاص، يقتسمان الحلوى التي يشتريانها وأحمد يدفع قيمتها دائماً دون أن يحاول عبدالله أن يدفع ولا مرة واحدة، بدا هذا طبيعياً تماماً، وقتئذٍ!
وقفوا عند محل عبدو الخديجة الذي كان أمام المحل يتسلم الحليب الذي يستخدمه لصنع المثلجات من مربي الأغنام. عبدو الخديجة يصنع أطيب المثلجات في الدنيا، اشترى أحمد بعضها، وغادروا إلى منزل عبد الله.
بكل صدق كان أحمد يبادل عبد الله المودة، وكان بادي الأسف لحالته الجسدية بعد مرض (الديسك) الذي أقعده الفراش. سأل أحمد عن محمد القاعد الذي غادر الجمّارة أيضاً ولكن إلى الخليج ولما يعد بعد. محمد ترك الجمّارة طائعاً، وتركها هو مرغماً، سيعود بلا شك بمال وفير بينما هو لم يوفر أي مبلغ حتى الآن بعد عشر سنوات في الزعفرانة.
كانوا جميعهم سعداءَ بوجوده بينهم وبلم شملهم في هذه الجلسه وراحوا يستعيدون ذكريات مرحة تقاسموها إلا أن أحمد لم يستطع أن يكون معهم. انسل رغماً عنه من حديث ذكرياتهم وانسحب إلى ذكراه الأكثر إلحاحاً، مشهد تهاوي والدته على الأرض حين وقعت عصا البردويل على رأسها بينما هي تدفع العصا عنه، حينها لم يتوقع أن الإصابة ستؤدي إلى وفاتها بعد بضعة أشهر وإلا لثأر لأمه فوراً، حتى وإن كان لا يستطيع مواجهة البردويل بالعصا والخنجر، لكان حصل على بندقية بأي ثمن وانتقم من البردويل. فوجئ بموت والدته بعد أشهر قضتها طريحة الفراش، غادر الجمّارة مصمماً على أن يعود إليها قوياً ينتقم لأمه ولزوجه. ومرَّت السنين العشر ولم يتقدم خطوة واحدة باتجاه تحقيق هدفه، إنْ بحصوله على المال، أو بضمان مساعدة أهله وأقربائه. الجميع كانوا يتناسون ثأرهم كلما مرّ عام جديد، وكان هو يشحذ عزيمته ويزداد إصراراً على الانتقام، كلما مرّ عام جديد.
اخترق يوسف المحمود خياله كسيف، الثعلب الذي يحسب الكثيرون أنه صديقه. حاول يوسف اختراق حصون أحمد عن طريق رشوته بالمال الذي يمكنه أن يكون من كبار تجار الأغنام، رفض أحمد العرض لأنه متأكد أن هدف يوسف كان التقرب منه للوصول بالنتيجة إلى سعاد. إنَّ وسامة يوسف وجاذبيته للنساء غير كافيتين لاختراق جدار أحمد الحصين، فزوجه تحبه ولا تقايض بحبه حباً آخر، لذلك قدّم يوسف المال ليكون بوصلة الوصول إليها. أقرّ يوسف بمعرفة أحمد لنياته، فتبادلا العداء والتحدي بصمت، كلما أقدم أحمد على الثأر وثب يوسف في مخيلته كثعلب جبان يترقب فرصةً للانقضاض على سعاد.

Pages