كتاب " البردويل " ، تأليف عبدالله هلال ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب البردويل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
البردويل
- (أحمد الدم صار يجري، وإيدي صارت توجعني)
- (يعنى)
- (يعنى انهيلي المفاوضات ومنشوف)
- (أشو منشوف)
- (اللي بتريدو)
- (بدّك تخبر الشرطة)
- (لأ)
- (وإذا سألوك العالم مين اللي طعنك)
- (ما عليك، بلاقي الحجه اللي بتقنع اللي بيسألني)
- (خير يا حمود، بدي حكم عقلي هلق مشان إنتي كمان تحكم عقلك)
ابتعد عن المكان بسرعة فالبردويل قد يغدر. عند نهاية أرض التوبة كانت تنتظره شاحنة عدنان، طلب منه التوجه إلى العامرّية وعلى ضوء الشاحنة الخافت..!
تقدم متوجساً من العيون التي قد تشي به للشرطة، أو للبردويل، في الطريق إلى منزل مريم في العامرية سيخترق زقاق العامود المكتظ بالمنازل المتلاصقة ولا بد من تحاشي سكان هذه المنازل.
ترى ماذا ستكون حالة سعاد حينما يخبرها عدنان؟ هل ستفرح لهزيمة البردويل أمامي وجرحه الذي قد يشلّ يده أم تنهدّ جدران تماسكها خوفاً؟ هل ستقوى على حمل غربتها في الزعفرانة وحيدةً؟ كانت تتقوى بوجودي معها. اختلط عليه الأمر، حالة سعاد وحيدة، وحالته هو في العامرية وتخفيه عن العيون، واصل تقدمه متوجساً، لم يمهله ضوء النهار وأخذ يتسلل كاشفاً ما كان مستوراً في الظلام.
طرق الباب، استقبله محمود الكيو متسائلاً لكنه سرعان ما فسح له في المجال ليدخل وأخفى على مضض تضايقه من ضيف هذا الصباح البارد وأولاده وزوجه ما زالوا في فرشهم يتدثرون بأغطية إضافية طلباً للدفء. لا بد سترتبك العائلة باستقباله، لكن مريم زوجه لم ترتبك أو تنزعج بل أبدت ترحيباً زائداً بأحمد، متجاهلة ما سيتسبب به من إزعاج لأولادها بإيقاظهم المبكر، لا شك أنّ الأولاد سيتذمرون ويبدون تأففهم من هذا الضيف. لو استطاع محمود أن يعتذر عن استقباله لفعل، لكنّ مريم هي التي ستستقبل وتودّع، وتقول، وتأمر وتنهى في هذا المنزل، وهي أخت صديقه البديوي ولن ترضى بأن يقصروا معه. كثيراً ما أكدت مريم أمام زوجها أنها مدينة لشقيقها، وعليها واجب الشكر والاعتراف بالفضل له. لقد كان البديوي دائماً شقيقاً كريماً عطوفاً، وعندما اقتسما ميراثهما اكتفى بحصته من الأرض وترك لها كل موجودات منزل والدهما، من فرش ولبابيد وبسط، حتى الهاون والمهباج والقدور والطناجر والصحون ووو... كلها وصلت إلى مريم، رضي بنصيبه من الأرض، وخجل أن يحاصص في القليل.
كان احتفاء مريم بأحمد واضحاً، بدا ذلك من حديثها ووجهها الذي يرسم ابتسامة، بخطوط، وتعاريج ووضوح، دون أن تنفرج شفتاها عما يؤكد ابتسام وجهها. هذه المرأة الجادّة السمراء الطويلة، التي رضيت بأن تكون زوجاً لمن لا يشبع رغبتها وقناعاتها بعد أن غادر شقيقها العامرية منذ عقد تقريباً إلى الزعفرانة واضطرت أن تستعين بزوج يكون زوجاً وولي أمر.
احتفت بالضيف بطعام شهي استطاعت أن توفره في الصباح الباكر هذا بطريقة لافتة، كما أمنت نومه في فراش دافئ، وأسرعت في تركيب مدفأة الغرفة، التي كان محمود يؤجل تركيبها لتوفير الوقود.
فيما كان أحمد مستغرقاً في نومه، ذهب محمود إلى الزعفرانة يسأل عما آل إليه حال البردويل، وهل التزم بما وعد به من كتمان ما حصل بينهما في الليل المنصرم.
أيقظته مريم من نومه متعجلة بمسوغ عودة زوجها من الزعفرانة تواً. تريد استثمار فترة وجوده في منزلها لأبعد حد فلطالما أرادت أن تقترب منه. قد أثار اهتمامها حتى قبل أن تراه لكثرة ما امتدحه شقيقها البديوي حين كان يحدثها عن أصدقائه في الزعفرانة وعندما رأته أخيراً في منزل شقيقها فتنتها قوة شخصيته وحلاوة حديثه وفتوته، وتشهّت أن يجمعها به يوم. لقد تحققت أمنيتها اليوم، وهي تدرك أن بقاءه في منزلها لن يطول، ليس لأنه لا يستطيع التخفي عن الأنظار طويلاً في منزلها خوفاً من تهافت أهل العامريّة على ملاحقته حين ينتشر خبر شجاره مع البردويل، ولكن بسبب ضيق منزلهم وتزاحم أطفالها فيه.
سرد محمود نتائج رحلته، الجميع خائفون من ردّ البردويل فقد أفشى خبر المشاجرة، وادعى أنّ أحمد كان يستقوي بمجموعة كانت تناصره. ابتسم أحمد أسفاً لكذب البردويل الذي سرق الألباب بشجاعته الكاذبة، ألا يعرف أنني أعرف أنه يكذب؟ لا شك أنه سأل نفسه كيف سيتلقى أحمد هذه الكذبة، وكم سيستهين بي لاحقاً، ولكنّه قايض أن يستخف به أحمد، مقابل أن يؤكد للآخرين أنه لا بد كان سيلتهمه لولا المجموعة التي كانت معه. رضي بكل صفاقة بما يعيبه، رضي أن يكون كاذباً، ولا أن يكون مهزوماً أمام رجل واحد وهو صاحب تاريخ من البطولات.
تمكن محمود أيضاً من تقصي أخبار سعاد، أبلغه أنّها قلقة وخائفة من شقيقها. كذلك أخبره أنّ رجال الشرطة يبحثون عنه، فقد اتهمه البردويل أنه حاول قتله هو والمجموعة التي كانت معه إلا أن البردويل استطاع بشجاعته المعهودة أن يتلافى القتل بطعنةٍ من مدية في الذراع. نقل محمود الخبر إلى أحمد دون أي تأثر منه، كأنما يخبره عن حادث سير رآه على الطريق ولا يعرف المتضررين فيه، كان يتحدث ووجهه بارد أبله لا تغيير في خطوطه، نبرات صوته خالية من أي تأثر، بكل حياد ودون أي إيحاء بأنه يناصر ضيفه أو يتعاطف معه رغم أنه الآن مذنب هو أيضاً بالتستر عليه ما دام هو مختبئاً في منزله.